و « نحن » مبتدأ، وهو ضمير مرفوع منفصل للمتكلم، ومن معه أو المعظّم نفسه، و « مصلحون » خبره، والجملة في محل نَصْبٍ، لأنها محكية ب « قالوا ».
والجملة الشرطية وهي قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾ عطف على صلة « من »، وهي « يقول »، أي : ومن النَّاس من يقول، ومن النَّاس من إذا قيل لهم : لا تفسدوا في الأرض قالوا : وقيل : يجوز أن تكون مستأنفةً، وعلى هذين القولين، فلا مَحَلّ لها من الإعراب لما تقدم، ولكنها جزء كلام على القول الأول، وكلام مستقل على القول الثاني، وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن تكون معطوفةً على « يكذبون » الواقع خبراً ل « كانوا »، فيكون محلّها النصب.
وردّ بعضهم عليهما بأن هذا الذي أجازاه على أَحَدِ وجهي « ما » من قوله :﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [ البقرة : ١٠ ] خطأ، وهو : أن تكون موصولةً بمعنى « الذي »، إذْ لا عائد فيها يعود على « ما » المَوْصُولة، وكذلك إذا جعلت مصدريةً، فإنها تفتقر إلى العائد عند الأَخْفَشِ، وابن السراج. والجواب عن هذا أنهما لا يُجِيْزَانِ ذلك ألا وهما يعتقدان « ما » موصولة حرفية.
وأما مذهب الأخفش وابن السراج فلا يلزمهما القول به، ولكنه يُشَكِلُ على أبي البَقَاءِ وحدهن فإنه يستضعف كون « ما » مصدرية كما تقدم.
فصل في أوجه ورود لفظ الفساد
ورد لفظ « الفساد » على ثلاثة أوجه :
الأول : بمعنى العِصْيَان كهذه الآية.
الثاني : بمعنى الهَلاَكِ قال تعالى :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] أي : أهلكتا.
الثالث : بمعنى السحر قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين ﴾ [ يونس : ٨١ ].
فصل في بيان من القائل
منهم من قال : إن ذلك القائل هو الله تعالى، ومنهم من قال : هو الرسول، ومنهم من قال : بعض المؤمنين، وكل ذلك محتمل.
والأقرب أن ذلك القائل هو الله تعالى، ومنهم من قال : هو الرسول، ومنهم من قال : بعض المؤمنين، وكل ذلك محتمل.
والأقرب أن ذلك القائل كان مشافهاً لهم بذلك الكلام، فإما أن يكون الرسول -E- بلغه عنهم النفاق، ولم يقطع بذلك، فنصحهم فأجابوا بما يحقّ إيمانهم، وأنهم في الصَّلاح بمنزلة سَائِرِ المؤمنين، وإما أنْ يكون بعض من يلقون إليه الفَسَاد كان لا يقبله منهم، وكان ينقلب واعظاً لهم قائلاً لهم :﴿ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض ﴾ [ البقرة : ١١ ] فإن قيل : إنما كانوا يخبرون الرَّسول بذلك؟
قلنا : نعم، كانوا إذا عوقبوا عادوا إلى إظهار الإسلام، وكذبوا النَّاقلين عنهم، وحلفوا بالله عليه كما قال -تعالى- عنهم :﴿ يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر ﴾ [ التوبة : ٧٤ ]. وقيل هذا الكلام لليهود.
و « الفساد » خروج الشيء عن كونه منتفعاً به، ونقيضه الصلاح.