وقوله :﴿ ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ الواو عاطفة لهذه الجملة على ما قبلها.
و « لكن » معناها الاستدراك، وهو معنى لا يُفَارقها، وتكون عاطفةً في المفردات، ولا تكون إلاّ بين ضدّين، أو نقيضين، وفي الخلافين خلاف، نحو :« ما قام زيد لكن خرج بكر »، واستدلّ بعضهم على ذلك بقوله طَرَفَةَ :[ الطويل ]
٢٠١- وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ لِبَيْتِهِ | وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمَ أرفِدِ |
قال بعضهم : وهذا لا دليل فيه على المدّعى، لأن قوله :« لستُ بحلاّل التِّلاعِ لبيته » كنايةٌ عن نفي البُخْلِ أي : لا أحلّ التِّلاَع لأجل البُخْل.
وقوله :« متى يسترفد القوم أرفد » كناية عن الكَرَمِ، فكأنه قال : لست بخيلاً ولكن كريماً، فهي -هاهنا- واقعة بين ضدّين.
ولا تعمل مخففة خلافاً ل « يونس »، ولها أحكام كثيرة.
ومعنى الاسْتِدْرَاك في هذه الآية يحتاج إلى تأمل ونظر، وذلك أنهم لما نهوا عن اتخاذ مثل ما كانوا يتعاطونه من الإفساد، فقابلوا ذلك بأنهم مصلحون في ذلك، وأخبر -تعالى- بأنهم هم المفسدون كانوا حقيقين بأن يعملوا أن ذلك كما أخبر -تعالى- وأنهم لا يدعون بأنهم مصلحون، فاستدرك عليهم هذا المعنى الذي فَاتَهُمْ من عدم الشعور بذلك.
ومثله قولك :« زيد جاهل، ولكن لا يعلم »، وذلك لأنه من حيث اتّصف بالجهل، وصار الجهل وصفاً قائماً به كان ينبغي أن يعلم بهذا الوَصْف من نفسه؛ لأن الإنسان له أن يعلم ما اشتملت عليه نفسه من الصفات، فاستدركت عليه أنَّ هذا الوصف القائم له به لا يعلمه مُبَالغة في جهله.
ومفعول « يشعرون » محذوف : إمّا حذف اختصار، أي : لا يشعرون بأنهم مفسدون، وإما حذف اقتصار، وهو الأحسن، أي : ليس لهم شعور ألبتة.