﴿ هؤلاء إِن ﴾ [ البقرة : ٣١ ]، و ﴿ أَوْلِيَآءُ أولئك ﴾ [ الأحقاف : ٣٢ ]، و ﴿ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [ هود : ١٠١ ] قرأها أبو عمرو والبزي عن ابن كثير بهمزة واحدةٍ.
وقرأ أبو جعفر، وورش، ويعقوب : بِتَحْقِيق الأولى وتَلْيين الثانية.
وقرأ قَالُون : بتليين الأولى، وتحقيق الثانية، لأن مت يستأنف أولى بالهمزة ممّا يسكت عليه.

فصل في نظم الآية


إنما قال هناك :« ولكن لا يشعرون »، وقال ها هنا :« ولكن لا يعلمون » لوجهين :
أحدهما : أن المثبت لهم -هناك- الإفساد، وهو مما يدرك بأدنى تأمّل، لأنه من المحسوسات التي لا تحتاج إلى فِكْرٍ كثير، فنفى عنهم ما يدرك بالمشاعر، وهي الحواسّ مبالغة في تجهيلهم، وهو أنَّ الشعور الذي قد ثبت للبهائم مَنْفِيّ عنهم، والمثبت -هنا- هو السَّفه والمصدر به هو الأمر بالإيمان، وذلك مما يحتاج إلى إمْعَان فكرٍ ونَظَرٍ، فإنه مُفْضٍ إلى الإيمان والتصديق، ولم يقع منهم المأمور به وهو الإيمان، فناسب ذلك نفي العلم عنهم.
الوجه الثاني : أن السَّفه خفّة العقل والجَهْل بالأمور؛ قال :[ السريع ]
٢٠٩- نَخَافُ أنْ تَسْفَهَ أحْلاَمُنَا فَنَجْهَلَ الجَهْلَ مَعَ الجَاهِلِ
والعلم نقيض الجَهْل فقابله بقوله :﴿ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ١٣ ] ؛ لأن عدم العلم بالشيء جهل به.

فصل في تعلق الآية بما قبلها


قال ابن الخطيب : لما نهاهم في الآية الأولى عن الفساد في الأرض، ثم أمرهم في هذه الآية بالإيمان دلّ على أن كمال الإنسان لا يحصل إلا بمجموع الأمرين، وهو تركه ما لا يَنْبَغِي، وفعل ما ينبغي.
وقوله :﴿ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ الناس ﴾ أي : إيماناً مقروناً بالإخلاص بعيداً عن النفاق.
ولقائل أن يستدلّ بهذه الآية على أنّ مجرد الإقرار إيمان، فإنه لو لم يَكُنْ إيماناً لما تحقّق مُسَمّى الإيمان إلاَّ إذا حصل بالإخلاص، فكان قوله :« آمنوا » كافياً في تحصل المطلوب، وكان ذكر قوله :﴿ كَمَآ آمَنَ الناس ﴾ لغواً.


الصفحة التالية
Icon