قوله :﴿ وادعوا شُهَدَآءَكُم ﴾ هذه جملة أمر معطوفة على الأمر قبلها، فهي في مَحَلّ جزم أيضاً، ووزن « ادعوا » افعوا؛ لأن لام الكلمة محذوف دلالة على السكون في الأمر الذي هو جزم في المُضَارع، و « الواو » ضمير الفاعلين.
و « شهداءكم » مفعول به جمع « شهيد » كظريف.
وقيل : بل جمع « شاهد » ك « شاعر » والأوّل أولى؛ لاطَِّرَادِ « فعلاء » في « فعيل » دون فاعل، والشهادة الحضور، وفي المراد من الشهداء وجهان : الأول : المراد من الشهداء الأوثان.
والثاني : المراد من الشهداء أكابرهم، أو من يوافقهم في إنكار أمر محمد ﷺ، والمعنى : ادعوا أكابركم، ورؤساءكم ليعينوكم على المُعَارضة، أو ليشاهدوا ما تأتون به، فيكون [ الرد على الجميع أوكد ]. و « من دون الله » متعلّق ب « ادعوا » من دون الله شهداءكم، فلا تستشهدوا بالله، فكأنه قال : وادعوا من غير الله من يشهد لكم، ويحتمل أن يتعلّق ب « شهداءكم » والمعنى : ادعوا من اتخذتموه من دون الله، وزعمتم أنهم يشهدون لكم بصحّة عبادتكم إياهم، وأعوانكم من دون الله أولياء الذين تستعينون بهم دون الله، أو يكون معنى « من دون الله » بين يدي الله؛ كقوله :[ الطويل ]
٢٩٣- تُرِيكَ القَذَى مِنْ دُونِهَا وَهِيَ دُونَهُ | لِوَجْهِ أَخِيهَا في الإِنَاءِ قُطُوبُ |
واختار أبو البقاء أن يكون « من دُونِ الله » حالاً من « شهدائكم » والعامل فيه محذوف قال :« تقديره : شهدائكم منفردين عن الله، أو عن أنصار الله ».
و « دون » من ظروف متصرّفة، وجعل من ذلك قوله تعالى :﴿ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ﴾ [ الجن : ١١ ] فقال :« دون » مبتدأ و « منّا » خبره، وإنما بني لإضافته إلى مبنيٍّ، وقد شذَّ رفعُهُ خبراً في قول الشاعر :[ الطويل ]
٢٩٤- أَلَمْ تَر أَنِّي قَدْ حَمَيْتُ حَقِيقَتي | وبَاشَرْتُ حَدَّ المَوْتِ وَالمَوْتِ دُونُهَا |
وأمّا « دون » التي بمعنى رديء فتلك صفة كسائر الصفات، تقول :« هذا ثوب دُون »، و « رأيت ثوباً دوناً » أي : رديئاً، وليست مما نحن فيه.
و « دون » أيضاً نقيض « فوق » ويقال : هذا دون ذاك، أي : أقرب منه، ويقال في الأخذ بالشَّيء : دونكه.
قال تميم للحجَّاج : أَقَبِرنا صالحاً -وكان قد صلبه- فقال : دونكموه.
قوله تعالى :﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ هذا شرط حذف جوابه للدلالة عليه تقديره : إن كنتم صادقين فافعلوا، ومتعلّق الصدق محذوف، والظاهر تقديره هكذا : إن كنتم صادقين في كونكم في رَيْبٍ من المنزل على عبدنا أنه من عندنا.
وقيل : فيما تقدرون عيله من المُعَارضة، وقد صرّح بذلك عنهم في آية أُخْرَى، حيث قال تعالى حاكياً عنهم :