و « الأنهارُ » جمعُ نَهْرٍ بالفتح، وهي اللُّغةُ العالية، وفيه تسكين « الهاء » ولكن « أفعال » لا ينقاس في « فَعْل » السَّاكن العين، بل يحفظ نحو :« أَفْراخ »، و « أَزْنَاد »، و « أفراد.
و » النَّهرُ « : دونَ البحرِ، وفوق الجدول، وهل هو مجرى الماءِ، أو الماء الجاري نفسُه؟
والأوَّلُ أظهرُ؛ لأنًَّه مشتقٌّ من » نَهَرَُ « أي : وَسَّعْتُ.
قال قَيْسُ بن الخطِيمِ يصفُ طَعْنَةً :[ الطويل ]٣١٥- مَلَكْتُ بِهَا كَفَِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا | ............................. |
أي : وَسَّعْتُ.
ومنه :» النَّهارُ « لاتِّساع ضوئِهِ، وإنَّما أُطْلِقَ على الماء مجازاً إطلاقاً للمحلِّ على الحالِّ.
ومنه قوله عليه السَّلامُ :» ما أَنْهَرَ الدَّمَ « معناه : ما وسَّعَ الذَّبْحَ؛ حَتَّى يجري الدَّم كالنَّهْرِ، وجمعُ النَّهرِ : نَهَرٌ وأَنْهَارٌ، وَنَهْرٌ نَهِرٌ : كثير الماء.
قال أبو ذُؤَيب :[ المتقارب ]٣١٦- أَقَامَتْ بِهِ وَابْتَنَتْ خَيْمَةً | عَلَى قَصَبٍ وَفُرَاتٍ نَهِرْ |
ورُوِيَ أنَّ أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنَّما تجري على سطح الجنَّةِ منبسطة بالقدرة، والوقفُ على » الأنهار « حَسَنٌ وليس بتامٍّ و » من تَحْتِهَا « متعلقٌ ب » تجري «، و » تحت « مكانٌ لا يتصرَّفُ، وهو نقيض » فوق «، إذا أُضِيفَا أُعْرِبَا، وإذا قَطِعَا بنيا على الضَّمِّ. و » مِنْ « لابتداء الغاية.
وقيل : زائدةٌ.
وقيل : بمعنى » في «، وهما ضعيفان.
واعلم أنَّهُ إذا قيل بأنَّ الجَنَّة هي الأرضُ ذاتُ الشَِّجرِ، فلا بُدَّ م حَذْفِ مضاف، أي : من تحت عَذْقِها أو أَشْجَارها.
وإن قيل : بأنَّها الشَّجَرُ نفسه، فلا حَاجَةَ إلى ذلك.
وإذا قيل : بأنَّ الأنهار اسمٌ للماء الجاري فَنِسْبَةُ الجَرْي إليه حقيقة، [ وإن قيل بأنَّهُ اسمٌ للأُخْدُودِ الذي يَجْرِي فيه، فنسبةُ الجَري إليه ] مجازٌ، كقول مهلهل :[ الكامل ]٣١٧- نُبِّئْتُ أَنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتِ | وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ المَجْلِسُ |
قال أبو حيِّان : وقد ناقض ابن عطية كلامه هنا، فإنَّه قال :» والنهارُ : المياهُ في مجاريها المتطاولةِ الواسعةِ « ثمَّ قال : نُسِبَ الجريُ إلى النَّهْرِ، وإنَّمَا يجري الماءُ وحدّث توسُّعاً وتجوُّزاً، كما قال :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] وكما قال :[ الكامل ]٣١٨ب- نُبِّئْتُ أنَّ النَّارَ................. | .............................. |
والألف واللاَّمُ في » النهار « للجنس.
وقيل : للعَهْدِ لذكرها في سورةِ القتالِ.
وقال الزمخشري : يجوز أن تكون عوضاً من الضَّمير كقوله :﴿ واشتعل الرأس شَيْباً ﴾ [ مريم : ٤ ] أي :» أَنْهَارُها « يعني أنَّ الأصل : واشتعل رأسي، فَعَوَّضَ » أل « عن ياء المتكلم، وهذا ليس مذهب البَصَريين، بل قال به بعضُ الكوفيِّين؛ وهو مردود بأنَّهُ لو كانت » أَلْ « عوضاً من الضمير، لَمَا جُمِعَ بينهما، وقد جُمِعَ بينهما؛ قال النَّابغةُ :[ الطويل ]
٣١٨ب- رَحِيبٌ قِطَابٌ الجَيْبِ مِنْهَا رَقِيقَةٌ | بجَسِّ النَّدَامَى بَضَّةُ المُتَجَرِّدِ |
فقال : الجيب منها، وأمَّا ما ورد، وظاهره ذلك، فيأتي تأويله في موضعه.