وقال الرَّاغِبُ -C- : والشكرُ لا يُقالُ إلاَّ في مُقَابلة نعمة، فكلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ، وليس كُلُّ حمدٍ شُكْراً، وكل حمد مَدْحٌ، وليس كُلُّ مَدْحٍ حَمداً.
ويقال : فُلانٌ مَحْمُودٌ إذَا حُمِد، ومُحَمَّدٌ وُجِدَ مَحْمُوداً، ومحمد كثرت خصالُه المحمودَةُ.
واحمدُ أَيْ : أَنَّهُ يَفُوقُ غَيْرَه في الحَمْدِ.
والألفُ : واللام في « الحَمْد » قِيل : للاستغراقِ.
وقيل : لتعريفِ الجِنْس، واختاره الزَّمَخْشَرِيُّ؛ وقال الشاعر :[ الطويل ]
٣٨-..................... إلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ
وقيل : للعَهْدِ، ومنع الزمخشريُّ كونَها للاستغراقِ، ولم يُبَيِّنْ وجهةَ ذلك، ويشبه أن يُقالَ : إنَّ المطلوبَ من العبدِ إنشاء الحَمْدِ، لا الإخبار به، وحينئذٍ يَسْتَحيلُ كونها للاستغراقِ، إذْ لا يمكنُ العَبْد أن ينشىءَ جميعَ المَحَامِدِ منه ومن غيرِه، بخلاف كونها للجِنسِ.
والصلُ في « الحَمْدِ » المصدريّة؛ فلذلك لا يُثَنَّى، ولا يُجْمَعُ.
وحكى ابنُ الأَعْرَابِيُّ جَمْعَهُ على « أَفْعُل » ؛ وأنشد :[ الطويل ]
٣٩- وَأَبْيَضَ مَحْمُودِ الثَّنضاءِ خَصَصْتُهُ... بأَفْضَلِ أَقْوَالِي وَأَفْضَلِ أَحْمُدِي
وقرأ الجُمْهُورُ :« الحَمْدُ للهِ » برفْعِ وكسرِ لاَمِ الجَرِّ، ورفعُهُ على الابتداءِ، والخبرُ الجارُّ والمجرورُ بعده يَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ وهو الخَبَرُ في الحقيقة.
ثم ذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَهُ [ اسْماً، وهو المُخْتارُ، وإن شِئْتَ قَدَّرْتَهُ ] فِعْلاً أَي : الحمدُ مُسْتَقِرٌّ لله، واسْتَقَرَّ لله.
والدليلُ على اختيارِ القَوْلِ الأَوَّلِ : أَنَّ ذَلك يَتَعَيَّنُ في بَعضِ الصورِ، فلا أَقَلُّ مِنْ ترجيحِه في غَيْرِها، وذلك أنّك إذا قُلْتَ :« خَرجتُ فإِذَا في الدَّارِ زَيْدٌ » وأمَّا في الدَّارِ فَزَيْدٌ « يتعيّنُ في هاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ [ أن يقدر بالاسم ] ؛ لأنَّ » إذا « الفُجائية وأَمَّا الفُجائية وأَمَّا التَّفصِيليَّةُ لا يَلِيهِمَا إلاَّ المبتدأ. وقد عُورِضَ هذا اللَّفظُ بأنه يَتَعيَّنُ تقدير الفِعْلِ في بعضِ الصُّورِ، وهو ما إِذا وَقَعَ الجَارُّ والمجرورُ صِلَةً لموصولٍ، نحو : الَّذي في الدارِ فليكن رَاجِحاً في غيره؟ والجوابُ : أَنَّ ما رجحنا به من باب المبتدإِ، أَو الخبر، وليس أَجْنَبِيَّا، فكان اعتباره أوْلَى، بخلاف وقوعه صِلةً، [ والأول غيرُ أَجْنَبِيٍّ ].
ولا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قاعدةٍ -ها هنا- لعُمُومِ فائدتها، وهي أَنَّ الجار والمجرور والظرف إذا وَقَعا صلةً أو صِفَةً، أو حالاً، أو خبراً تَعلقا بمحذوفٍ، وذلك أن المحذوف لا يجوز ظهوره إذا كان كَوْناً مُطلقاً : فأمّا قول الشاعر :[ الطويل ]
٤٠... - لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلاكَ عَزَّ، وَإِنْ يَهُنْ
فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُونِ كائِنُ... وأما قولُه تبارك وتَعَالى :﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ ﴾ [ النمل : ٤٠ ] فلم يقصدْ جعلِ الظَّرفِ كائناً فلذلك ذكر المتعلِّقَ به، ثم ذلك المحذوفُ يجوزُ تقديرهُ باسمٍ أَوْ فعلٍ إلاّ في الصلَةِ، فإنه يتعيّنُ أن يكونَ فِعلاً. واختلفُوا : أَيُّ التقديرَيْنِ أَوْلَى فيما عدا الصور المستثناة؟
فقومٌ رجّحُوا تقديرَ الفِعْلِ، [ وقومٌ رجَّحُوا تقدير الاسمِ ]، وقد تقدمَ دليلُ الفريقين. وقُرِىءَ شَاذَّاً بنصب الدالِ من » الحَمْد «، وفيه وجهان :
أظهرُهُما : انه منصوبٌ على المصدريَّةِ، ثم حُذِف العاملُ، ونابَ المصدرُ مَنَابه؛ كقولِهِم في الأخبار :» حمداً، وشكراً لا كُفْراً « والتقدير :» أَحمد الله حمداً «، فهو مصدرٌ نَابَ عن جملةٍ خبريَّةٍ.