وثانيها : أَنَّه إِنْ ثقلت عليك العبادات والطاعات وصعبت، فَاذْكُرْ أوَّلاً قولَه :« إياك » ؛ لتذكرني، وتحضر في قلبك معرفتي، فإذا ذكرتَ جَلاَلي وعظمتي، وعلمت أني مولاك، وأنك عبدي؛ سهلت عليك تلك العبادة.
وثالثها : أن القديمَ الواجبَ لذاتِه متقدمٌ في الوجودِ على لمحدث الممكن لذاته، فوجب أن يكون ذكره متقدماً على جميع الأذكار.
فصل في نون « نعبد »
قال ابنُ الخَطيب -رحمه الله تعالى- : لقائلٍ أّنْ يقولَ : النُّون في قوله تعالى :« نعبد » إما أن تكون نونَ الجمع، أو نونَ العظمةِ، والأول باطِلٌ، لأن الشخصَ الواحدَ لا يكون جَمْعَاً، والثاني باطل أيضاً؛ لأن عند أداء العبوديةِ، اللَّائق بالإنسان أن يذكر نفسه بالعَجْزِ والذّلة لا بالعَظَمَةِ.
واعلم أنه يمكن الجوابُ عنه مِنْ وُجُوه :
أحدها : أنّ المرادَ مِنْ هذه النونِ نونُ الجَمْعِ، وهو تنبيه على أنَّ الأَوْلَى بالإنسان، أَنْ يؤدي الصَّلاة بالجماعة.
الثاني : أنَّ الرجلَ إِنْ كان يُصَلِّي في جماعة، فقوله :« نعبد »، المُرَاد منه ذلك الجمعُ، وإن كان يصلّي الصَّلاة بالجماعة.
الثالث : أنَّ المُؤْمِنين إخوةٌ، فلو قال :« إياك أعبدُ » كان قد ذكر عبادَةَ نفسِه، ولم يذكر عبادَةَ غَيْرِه، أما إذا قال :« إياك نعبدُ » كان قد ذكر عبادَة نفسِه، وعبادة جميع المؤمنين شرقاً وغرباً.