ثم اختلفوا على وجوع :
أحدها : نطهرك أي : نَصِفُكَ بما يليق بك من العلو والعزّة.
وثانيها : قول مجاهد : نطهر أفعالنا من ذنوبنا حتى تكون حالصةٌ لك.
ورابعها : نطهر قلوبنا عن الالتفات إلى غيرك حتى تصير مستغرقةً في أنوار معرفتك.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على مذهبنا من وجوه :
أحدها : قولهم :« ونَحْنُ نُسَبِّحُ بحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ » أضافوا هذه الأفعال إلى أنفسهم، فلو كانت أفعالاً لله - تعالى - لما حسن التمدُّح بذلك، ولا فضل لذلك على سفك الدماء؛ إذ كل ذلك من فعل الله تعالى.
وثانيها : إذا كان لا فاحشة، ولا ظُلْم، ولا وجود إلاّ بصنعه وخلقه ومشيئته، فكيف يصح التنزيه والتقديس؟
وثالثها : أن قوله :« أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ » يدلّ على مذهب العَدْلِ، لأنه لو كان خالقاً للكفر لكان خلقهم لذلك الكفر، فكان ينبغي أن يكون الجواب نعم خلقهم ليفسدوا وليقتلوا، فلما لم يَرْضَ بهذا الجواب سقط هذا المذهب.
ورابعها : لو كان الفساد والقَتْلُ من فعل الله - تعالى - لكان ذلك جارياً مجرى أجسامهم، وألوانهم، وكما لا يصح التعجُّب من هذه الأشياء، فكا من الفساد والقتل. والجواب : المُعَارضة بمسألة الداعي والعلم، والله أعلم.
أصل « إنّي » : فاجتمع ثلاثة أمثال، فحذفنا أحدها، وهل هو « نون » الوقاية، أو « النون » الوسطى؟
قولان : الصحيح الثاني، وهذا شبيه بما تقدم في ﴿ إِنَّا مَعَكْمْ ﴾ [ البقرة : ١٤ ] وبابه، والجملة في محل نَصْب بالقول.
و « أعلم » يجوز فيه أن يكون فعلاً مضارعاً، وهو الظاهر، و « ما » مفعول به، وهي : إما نكرة موصوفة أو موصولة، وعلى كل تقدير، فالعائد محذوف لاستكماله الشروط : أي : تعلمونه.
وقال « المهدي، ومكّيّ : وتبعهما » أبو البقاء « : إن » أعلم « اسم بمعنى » عالم « ؛ كقوله :[ الطويل ]
ف » ما « يجوز فيها أن تكون في محلّ جر بالإضافة، أو نصب ب » أعلم «، ولم ينون » أعلم « لعدم انصرافه بإجماع النحاة.٣٦٧- لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وإنّي لأَوْجَلُ عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
واختلفوا في أفعل إذا سمي به وكان نكرة، فسيبويه والخليل لا يصرفانه، والأخفش يصرفه نحو :» هؤلاء حَوَاجّ بيت الله «.
وهذا مبني على أصلين ضعيفين :
أحدهما : جعل » أفعل « بمعنى » فاعل « من غير تفضيل.
والثاني : أن » أفعل « إذا كانت بمعنى اسم الفاعل علمت عمله، والجمهور لا يثبتونها.
وقيل :» أعلم « على بابها من كونها للتفضيل، والمفضل عليه محذوف، أي : اعلم منكم، و » ما « منصوبة بفعل محذوف دلّ عليه » أفعل « أي : علمت ما لا تعلمون، ولا جائز أن ينصب ب » أفعل « التفضيل؛ لأنه أضعف من الصفة المشبّهة التي هي أضعف من اسم الفاعل الذي هو أضعف من الفِعْلِ في العمل، وهذا يكون نظير ما أوّلوه من قول الشاعر :[ الطويل ]