وقيل : يعود على الأسماء. ونقل عن ابن عباس، ويؤيده قراءة أُبيّ « عَرَضَهَا »، وقراءة ابن مسعود :« عَرَضَهُنَّ » إلا أن في هذا القول جعل ضمير غير العقلاء كضمير العقلاء أو نقول : إنما قال ابن عباس ذلك بناء منه أنه أطلق الأسماء، وأراد المسميات كما تقدم وهو واضح.
و « عَلَى المَلاَئِكَةِ » متعلّق ب « عَرَضَهُمْ ».
قال ابن مسعود وغيره : عرض الأشخاص، لقوله تعالى :« عَرَضَهُمْ » وقوله :« أَنْبِئُونِي لأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ ».
وفي الحديث :« إنَّه عَرَضَهُمْ أَمْثَالَ الذَّرِّ ».
وقال ابن عباس وغيره : عرض الأسماء.

فصل في بيان أول من تكلم بالعربية


اختلف في أوَل من تكلم بالعربية.
روى كعب الأحبار : أن أول من وضع الكتاب العربي والسّرياني والكتب كلها، وتكلم بالألسنة كلها آدم ﷺ. فإن قيل : روى ثور بن يزيد عن خَالِدِ بن مَعْدَان عن كعب قال : أوّل من تكلّم بالعربية جبريل - ﷺ - وهو الذي أَلْقَاهَا على لسان نُوحٍ ﷺ، وألقاها نوح على لسان ابنه سَام.
وقال ﷺ :« وَعَلمً آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا حَتَّى القَصْعَة والقُصَيْعَة » وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به أول من تكلّم بالعربية من ولد إبراهيم - ﷺ - إسماعيل عليه الصلاة والسَّلام، وكذلك إن صَحّ ما سواه فإنه يكون محمولاً على أن المذكور أول من تكلّم من قبيلته بالعربية.
وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة، وألقاها على لسان بعد أن علمها الله آدم أو جبريل، على ما تقدم.
قوله :« أَنْبِئُونِي بأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ ».
« الإِنْبَاء » الإخبار، وأصل أنبأ أن يتعدّى لاثنين ثانيهما بحرف الجر كهذه الآية، وقد يحذف حرف الجر، قال تعالى :﴿ مَنْ أَنبَأَكَ هذا ﴾ [ التحريم : ٣ ] أي : بهذا، وقد يتضمّن معنى أعلم اليقينية، فيتعدّى تعديتها إلى ثلاثة مَفَاعيل، ومثل أنبأ : نبّأ وأخبر، وخبر وحدث.
و « هؤلاء » في محل خفض بالإضافة، وهو اسم إشارة، ورتبته دُنْيَا، ويُمَدُّ وَيُقْصَرُ؛ كقوله :[ الخفيف ]
٣٦٩- هَؤُلَى ثُمَّ كُلاًّ اعْطَيْ... تَ نِعَالاً مَحْذُوَّةً بِمِثَالِ
والمشهورة بناؤه على الكَسْرِ، وقد يضم، وقد ينوِّن مكسوراً، وقد تبدل همزته هاء، فيقال : هؤُلاَه، وقد يقال : هَوْلاءِ؛ كقوله :[ الوافر ]
٣٧٠- تَجَلَّدْ لاَ يَقُلْ هَؤْلاَءِ : هَذَا... بَكَى لَمَّا بَكَى أَسَفاً عَلَيِكَا
ولامه عند الفارسي همزة فتكون فاؤه ولامه من مادّة واحدة، وعند المبرد أصلها ياء، وإنما قلبت همزةً لتطرفها بعد الألف الزَّائدة.
قوله :« إنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ » تقدّم نظيره وجوابه محذوف أي : إنْ كُنتم صادقين، فأنبئوني. والكوفيين والمبرد يرون أن الجواب هو المتقدم، وهو مردود بقولهم :« أنت ظالم إن فعلت » لأنه لو كان جواباً لوجبت الفاء معه كما تجب معه متاخراً.
وقال ابن عطية : إن كون الجواب مَحْذوفاً هو رأي المبرد، وكونه متقدماً هو رأي سيبويه، وهو وهم؛ لأن المنقول عن المبرد أن التقدير : إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبئوني. وهذه الآية دالة على فضيلة العلم.


الصفحة التالية
Icon