٣٧٨- بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبُلْقُ فِي حَجَرَاتِهِ تَرَى الأُكْمَ فِيهَا سُجَّداً لِلْحَوَافِرِ
يريد : أن الحوافر تطأ الأرض، فجعل بأثر الأُكْمِ للحوافر سجوداً؛ وقال آخر :[ المتقارب ]
٣٧٩-......................... سُجُودَ النَّصَارَى لأَحْبَارِهَا
وفرق بعضهم بين « سجد »، و « أسجد » ف « سجد » : وضع جبهته، وأسجد : أَمَال رأسه وَطَأْطَأْ؛ قال الشاعر :[ المتقارب ]
٣٨٠- فُضُولَ أَزِمَّتِهَا أَسَجَدَتْ سُجُودَ النَّصَارَى لأَحْبَارِها
وقال آخر :[ الطويل ]
٣٨١ وَقُلْنَ لَهُ أَسْجِدْ لِلَيْلَى فَأَسْجَدَا ................................
يعني أن البعير طَأْطَأَ رأسَه لأجلها.
ودَرَاهِمُ الأسجاد : دَرَاهِمُ عليها صُوَرٌ كانوا يسجدون لها، قال :[ الكامل ]
٣٨٢-......................... وَافَى بِهَا كَدَرَاهِمِ الأَسْجَادِ

فصل في تعداد النعم العامة على بني آدم


اعلم أن هذا هو النعمة الرّابعة من النعم العامة على جميع البشر، وهو أنه خصص آدم بالخلافة أولاً، ثم خصصه بالعلم ثانياً، ثم بلوغه في العلم إلَى أن صارت الملائكة عاجزين عن بلوغ درجته في العلم، ثم ذكر الآن كونه مسجوداً للملائكة.
فإن قيل : الأمر بالسجود حصل قبل أن يسوي الله -تعالى- خلقه آدم بدليل قوله :﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ ص : ٧١- ٧٢ ]، فظاهر هذه الآية يدلّ على أنه -E- لما صار حيًّا صار مسجود الملائكة؛ لأن « الفاء » في قوله :« فَقَعُوا » للتعقيب، وعلى هذا التقدير يكون تعليم الأسماء، ومناظرته مع الملائكة في ذلك الوَقْتِ حصل بعد أن صار مسجود الملائكة.
فالجَوابُ : أجمع المسلمون على أن ذلك السُّجود ليس سُجُودَ عِبَادَةٍ، ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال :
الأول : أن ذلك السجود كان لله -تعالى- وآدم -عليه السلام- كان كالقِبْلَةِ، وطعنوا في هذا القول من وجهين :
الأول : أنه لا يقال : صلّيت للقبلة، بل يقال : صليت إلى القبلة، فلو كان -عليه الصّلاة والسلام- قبلة لقيل : اسْجُدوا إلى آدم.
الثاني : أن « إبليس » قال :﴿ أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ﴾ [ الإسراء : ٦٢ ] أي : أن كونه مسجوداً يدلّ على أن أعظم حالاً من السّاجد، ولو كان قِبْلَةً لما حصلت هذه الدرجة بدليل أن محمداً -E- كان يصلِي إلى الكعبة، ولم تَكُنِ الكعبة أفضل من محمد ﷺ.
والجواب عن الأول : أنه كما يجوز أن يقال : صَلَّيْتُ إلَى القبلة، جاز أن يقال : صَلَّيْتُ للقبلة؛ قال تعالى :﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ] والصّلاة لله لا للِدُّلُوكِ؛ وقال حسان :[ البسيسط ]
٣٨٣- مَا كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّ الأَمْرَ مُنْصَرِفٌ عَنْ هَاشِمٍ ثُمَّ مِنْهَا عَنْ أَبِي حَسَنِ
أَلَيْسَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِكُمْ وَأَعْرَفَ النَّاسِ بالقٌرْآنِ وَالسُّنَنِ
والجواب عن الثاني : لا نسلم أن التكرُّم حصل بمجرد ذلك السُّجود، بل لعله حصل بذلك مع أمور أخر.


الصفحة التالية
Icon