وسابعها : قوله :﴿ لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ الملاائكة المقربون ﴾ [ النساء : ١٧٢ ] فقوله :« ولا الملائكة » خرج مخرج التأكيد للأول، وهذا التأكيد إنما يكون بذكر الأفضل يقال : هذه الخَشَبة لا يقدر على حملها العَشْرة، ولا المائة، ولا يقال : لا يقدر على حملها العشرة ولا الواحد، ويقال : هذا العالم لا يَسْتَنْكِفُ عن خدمته الوزير ولا الملك، ولا يقال : ولا يستنكف عن خدمته الوزير ولا البواب.
ولقائل أن يقول : هذه الآية إن دلّت، فإنما تدلّ على فضل الملائكة المقرّبين على المسيح، لكن لا يلزم منه فَضْلُ الملائكة المقربين على مَنْ هو أفضل من المسيح، وهو محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- وموسى وإبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- بإجماع المسلمين.
ثم نقول قوله :« ولا المَلاَئكَة » ليس فيه إلا « واو » العطف، و « الواو » للجمع المُطْلق، فيدلّ على أنّ المسيح لا يستنكف، والملائكة لا يستنكفون، فأما أن يدلّ على أن الملائكة أفضل من المسيح فلا.
قال تعالى :﴿ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله وَلاَ الشهر الحرام وَلاَ الهدي وَلاَ القلاائد ﴾ [ المائدة : ٢ ] أو نقول : سلمنا أن عيسى دون مَجْمُوعِ الملائكة في الفَضْلِ، فإن قلتم : دون كل واحد من الملائكة في الفضل؟ فإن قيل : وصف الملائكة بكونهم مقربين يوجب ألاَّ يكون المسيح كذلك.
قلنا : تخصيص الشّيء بالذكر لا يدلُّ على نفيه عما عداه.
وثامنها : قوله :﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ ﴾ [ الأعراف : ٢٠ ] ولو لم يكن متقرراً عند آدم وحواء -عليهما الصلاة والسلام- أن الملك أفضل من البَشَرِ لم يقدر « إبليس » على غرورهما بذلك.
ولقائل أن يقول : هذا قول « إبليس » فلا يكون حُجّة، ولا يقال : إن آدم اعتقد صحة ذلك، واعتقاد آدم حُجّة، لأنا نقول : لعلّ آدم -عليه الصَّلاة والسّلام- ما كان نبياً في ذلك الوقت، فلم يلزم من فَضْلِ الملك عليه في ذلك الوَقْتِ فضل الملك عليه حال ما صار نبيًّا، ولأن الزَّلَّة جائزة على الأنبياء.
وأيضاً فهب أن الآية تدلّ على أن الملك أفضل من البَشَرِ في بعض الأمور المرغوبة.
فلم قلتم : إنها تدلّ على فضل الملك على البَشَرِ في باب القدرة والقوة، والحسن والجمال، والصفاء والنقاء عن الكُدُورات الحاصلة بسبب التركيبات؟ فإن الملائكة خلقوا من الأنوار وآدم خلق من التراب، فلعل آدم وإن كان أفضل منهم في كثرة الثواب إلاّ أنه رغب في أن يكون مساوياً لهم في تلك الأمور المعدودة.
وتاسعها : قوله تعالى :﴿ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولاا أَعْلَمُ الغيب ولاا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾