ولقائل أن يقول : أما كون الحافظ أكرم من المحفوظ، فهذا بعيد، فإن المَلكَ قد يوكّل بعض عبيده على ولده.
وأما الثاني فقد يكون الشاهد أدون حالاً من المشهود عليه.
الثالث عشر : قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن ﴾ [ النبأ : ٣٨ ].
والمقصود من ذكر أحوالهم المُبَالغة في شَرْحِ عظمة الله وجلاله، ولو كان في الخلق طائفة أخرى قيامهم وتضرعهم أقوى في الإنباء عن عَظَمةِ الله وجلاله وكبريائه من قيامهم لكان ذكرهم أولى.
ولقائل أن يقول : ذلك يدلّ على أنهم أزيد حالاً من البَشَرِ في بعض الأمور، فلم لا يجوز أن تكون تلك الحالة هي قوتهم وشدّتهم وبطشهم؟ وهذا كما يقال : إن السُّلطان لما جلس وقف حَوْلَ سريره ملوك أطراف العالم خاضعين فإن عظمة السُّلطان إنما تشرح بذلك، ثم إنَّ هذا لا يدلُّ على أنهم أكرم عند السلطان من ولده، فكذا ها هنا.
الرابع عشر : قوله :﴿ والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ بالله وملاائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ] فبيّن تعالى أنه لا بدّ في صحّة الإيمان من الإيمان بهذه الأشياء، فبدأ بنفسه، وثَنَّى بالملائكة، وثلّث بالكتب، وربّع بالرسل، وكذا في قوله :﴿ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم ﴾ [ آل عمران : ١٨ ]، وقال :﴿ إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي ﴾ [ الأحزاب : ٥٦ ]، والتقديم في الذّكر يدلّ على التقديم في الدرجة؛ لأن تقديم الأدْوَنِ على الأشرف في الذكر قبيح عرفاً، فوجب أن يكون قبيحاً شرعاً.
ولقائل أن يقول : هذه الحجّة ضعيفة؛ لأن الاعتماد إن كان على « الواو » ف « الواو » لا تفيد الترتيب، وإِنْ كان على التقديم في الذِّكْرِ ينتقض بتقديم سورة « تَبّت » على سورة ﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾ [ الإخلاص : ١ ].
الخامس عشر : قوله تعالى :« إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ »، فجعل صلوات الملائكة كالتشريف للنبي - ﷺ - وذلك يدلّ على كون الملائكة أشرف من النبي. ولقائل أن يقول : هذا ينتقض بقوله :« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً » فأمر المؤمنين بالصلاة على النبي، ولم يلزم كون المؤمنين أفضل من النبي، فكذا في الملائكة.
واحتجّ من قال بتفضيل الأَنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام- على الملائكة بأمور :
أحدها : أن الله -تعالى- أمر الملائكة بالسجود لآدم، وثبت أن آدم لم يكن كالقِبْلَةِ، فوجب أن يكون آدم أفضل منهم؛ لأن السجود نهايَةَ التواضُعِ، وتكليف الأشرف بنهاية التواضُعِ للأَدْوَنِ مُسْتَقْبَحٌ في العقول.
وثانيها : أن آدم - ﷺ - خليفةٌ له، والمراد منه خلافة الولاية لقوله :﴿ ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فاحكم بَيْنَ الناس بالحق ﴾ [ ص : ٢٦ ].
ومعلوم أن أعلى الناس منصباً عند الملك من كان قائماً مَقَامَهُ في الولاية والتصرف، فهذا يدل على أن آدم -E- كان أشرف الخلائق.