وقد تُشَمُّ الصادُ في « الصِّرَاطِ » ونحوه زَاياً، وقرأ به خَلَفٌ، وحَمْزَةُ حيث ورد، وخَلاَّد : الأوَّلَ فقط، وقد تُقْرأُ زاياً مَحْضة، ولم تُرْسَمْ في المصحَفِ إلا بالصَّاد، مع اختلافٍ في قراءتِهم فيها كما تقدم.
و « الصِّراطَ » يُذْكَرُ ويُؤَنَّثُ : فالتذكيرُ لُغَة تَميم، والتَّأنيثُ لغةُ « الحِجَازِ »، فإِنِ اسْتُعمِلَ مُذكَّراً، جمع على « أَفْعِلَة » في القلّةِ، وعلى « فُعُل » في الكَثْرَةِ، نحو :« حِمَارِ »، و « أَحْمِرَة » و « حُمُر »، وإِنِ اسْتُعْمِلَ مُؤَنثاً، فقياسه أن يجمعَ على « اَفْعُل » : نحو :« ذِرَاع » و « أذْرُع ».
و « المُسْتَقيمَ » اسمُ فَاعِلِ من استقامَ، بمعنى المُجَرّد، ومعناه : السَّوِيِّ مِنْ غَيْرِ اعْوِجَاج، واَصْلُه :« مُسْتَقْوم » ثُم أُعِلّ كإعلالِ « نَسْتَعِيْن » وسيأتي الكلامُ [ مُسْتَوْفى ] على مادتِه إن شاء الله -تعالى- عند قوله تعالى ﴿ وَيُقِيمُونَ الصلاة ﴾ [ البقرة : ٣ ].
و « الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ » قال ابنُ عَبَّاسٍ، وجَابِرٌ -Bهما- : هو الإسْلام، وهو قولُ مُقَاتِلٍ، وقال ابنُ مَسْعودٍ رضي الله تعالى عنهما : هو القرآن الكريم، وروي عن علي -رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً : الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ : كِتَابُ اللهِ تَعَالى.
وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ رضي الله عنه « طَريقُ الجَنَّة ».
وقال سَهْلُ بن عَبْدِ الله رحمه الله تعالى : هو طريقُ السُّنَّةِ والجَمَاعة. وقال بَكْرُ بنُ عبد الله المُزْنِيِّ : هو طريقُ رسول الله ﷺ.
وقال أَبُو العَالِيةِ، والحَسَنُ : رسولُ الله ﷺ وصَاحِبَاه.
قال ابنُ الخَطيب : الحِكْمَةُ في قوله :« اهْدِنَا » ولم يَقُلْ « اهدني » ؛ إما : لأن الدعاءَ مهما كان أعم، كان إلى الإجابة أَقْربَ.
وإمَّا لقول النبي ﷺ « ادْعوا الله تعالى بأَلْسِنَةٍ مَا عَصَيْتُمُوه بها » قالُوا : يَا رَسُولِ الله، فمن لنا بتلك الأَلسِنَةِ؟ قال :« يَدْعُو بَعْضَكُمْ لبعضٍ؛ لأنك ما عصيت بِلِسَانه، وَهُوَ ما عَصَى بِلِسَانِكَ ».
الثالث : كانّ العبدَ يقولُ : سمعتُ رَسُولَك يقولُ :« الجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ »، فلما أَرَدْتُ حمدك، قلتُ : الحَمْدُ لله، ولما ذكرت العبادة، ذكرُ عبادةَ الجَمِيع، ولما ذكرتُ الاستعانةَ، ذكرتُ استعَانَة الجَمِيع، فلا جرم لَمَّا طلبتُ الهدايةَ، طلبتُها للجميع، ولما طلبتُ الاقتداءَ بالصالحين، طلبتُ اقتداءَ الجميع؛ فقلتُ :« غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّيْنَ »، فلما لَمْ أُفارِق النبياءَ والصالحين في الدنيا، فأرجو ألا أفارِقََهم في الآخرة؛ كما قال تعالى :﴿ فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم ﴾ [ النساء : ٦٩ ] الآية الكريمةَ.


الصفحة التالية
Icon