وقول سعيد بن جبير إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نَارٍ، وإبليس منهم وليس في خلقه من نَارٍ، ولا في تركيب الشَّهْوَةِ حيث غضب عليه ما يدفع أنه من المَلاَئِكَةِ، وحكى الثعلبي عن ابن عباس :« أنّ إبْلِيسَ كان من حَيّ من أحياء الملائكة يقال لهم : الجِنّ خلقوا من نارِ السَّمُوم، وخلقت الملائكة من نُورٍ، وكان اسمه بالسّريانية عَزَازيل، وبالعربية الحَارِث، وكان من خزّان الجنّة، وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا، وكان من سُلْطَانها، وسلطان الأرض، وكان من أشدّ الملائكة اجتهاداً، وأكثرهم علماً، وكان يَسُوسُ ما بين السَّماء والأرض، فرأى لنفسه بذلك شرفاً وعظمةً، فذلك الذي دعاه إلى الكُفْرِ، فعصى الله، فمسخه شيطاناً رجيماً ».
قوله تعالى :« أَبَى واسْتَكْبَرَ ».
الظاهر أن هاتين الجملتين استئنافيتان لمن قال : فما فعل؟
والوقف على قوله :« إلاَّ إِبْلِيسَ » تام.
وقال أبو البقاء :« في موضع نصب على الحال من » إبليس « تقديره : ترك السجود كارهاً له ومستكبراً عنه ».
فالوقف عنده على « واستكبر »، وجوز في قوله :« وَكَانَ مِنَ الكَافِرينَ » أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً أيضاً، و « الإباء » : الامتناع؛ قال الشاعر :[ الوافر ]

٣٨٦- وَإِمَّا أنْ يَقُولُوا قَدْ أَبَيْنَا وَشَرُّ مَوَاطِنِ الحَسَبِ الإبَاءُ
وهو من الأفعال المفيدة للنفي، ولذلك وقع بعده الاستثناء المفرّغ قال تعالى :﴿ ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ﴾ [ التوبة : ٣٢ ].
والمشهور « أَبِيَ -يَأْبَى » بكسرها في الماضي، وفتحها في المضارعن وهذا قياس، فيحتمل أن يكون من قال :« أَبَى -يَأْبَى » بالفتح فيهما استغنى بمُضَارع من قال « أَبِيَ » بالكسر ويكون من التداخل نحو :« رَكَنَ -يَرْكَنُ » وبابه.
واستكبر بمعنى : تَكَبَّرَ، وإنما قدم الإباء عليه، وإن كان متأخراً عنه في الترتيب؛ لأنه من الأفعال الظَّاهرة؛ بخلاف الاستكبار؛ فإنه من أفعال القلوب.
قوله :« وَكَانَ » بل : هي هنا بمعنى « صَارَ » ؛ كقوله :[ الطويل ]
٣٨٧- بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كَأَنَّهَا قَطَا الحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخاً بُيُوضُهَا
أي : قد صارت. ورد هذا ابن فورك وقال :« تردّه الأصول، والأظهر أنها على بابها والمعنى : كان من القوم الكافرين الَّذين كانوا في الأَرْضِ قبل خَلْقِ آدم على ما روي، وكان في علم الله ».


الصفحة التالية
Icon