قوله :﴿ وَإِيَّايَ فارهبون ﴾.
« إياي » ضمير منصوب منفصل، وقد عرف ما فيه في « الفاتحة، ونصبه بفعل محذوف يفسره الظاهر بعده، والتقديرط » وإيايَ ارْهَبُوا فارْهَبُون « وإنما قدرته متأخراً فيهح لأن تقديره متقدماً عليه لايحسن لانفصاله، وإن كان بعضهم قدره كذلك.
والفاء في »
فارهبون « فيها قولان للنحويين :
أحدهما : أنها جواب أمر مقدر تقديره : تنبّهُوا فارهبونن وهو نظير قولهم :»
زيداً فاضرب « أي : تنبيه فاضرب زيداً، ثم حذف » تنبه «، فصار : فاضرب زيداً، ثم قدم المفعول إصلاحاً للفظ؛ لئلا تفع الفاء صدراً، وإنما دخلت الفاء لتربط هاتين الجملتين.
والقول الثاني في هذه »
الفاء « : أنها زائدة.
وقال »
أبو حيان « بعد أن حكى القول الأول : فتحمل الآية وجهين :
أحدهما : أن يكون التدقير :»
وإيّاي ارهبوا تنبهوا فارهبون «، فتكون » الفاء « حصلت في جواب الأمر، وليست مؤخّرة من تقديم.
والوجه الثاني : أن يكون التقدير : وتنبّهوا فارهبون، ثم قدّم المفعول فانفصل، وأتى بالفاء حين قدّم المفعول، وفعل الأمر الذي هو »
تنبهوا « محذوف، فالتقى بعد حذفه الواو والفاء، يعني : فصار التقدير :» وفإياي ارهبوا «، فقدم المفعول على الفاء إصلاحاً للفظ، فصار :» وإيّاي فارهبوا «، ثم أعيد المفعول على سبيل التَّأكيدن ولتكمل الفاصلة، وعلى هذا في » إياي « منصوب بما بعده لا بفعل محذوف، ولا يبعد تأكيد المنفصل بالمتّصل، كما لا يمتنع تأكيد المتصل بالمنفصل.
و »
الرَّهَبُ « و » الرَّهْب «، و » الرَّهْبَة « : الخوف، مأخوذ من الرّهَابة، وهي عظم في الصدر يؤثر فيه الخوف، وسقطت » الياء « بعد » النون « ؛ لأنها رأس فاصلة.
وقرأ ابن أبي إسحاق :»
فأرْهَبُوني « بالياء، وكذا :﴿ فاتقون ﴾ [ البقرة : ٤١ ] على الأصل.
ويجوز في الكلام »
وأنا فارهبون « على الابتداء والخير.
وكون »
فارهبون « الخبر على تقدير الحذف كان المعنى :» وأنا ربكم فارهبون «.
ذكره القُرْطبي.
وفي الآية دليلٌ على أنّ المرء يجب عليه ألا يخاف أحداً إلا الله تعالى، ولما وجب ذلك في الخوف، فكذا في الرجاء فيها دلالة على أنه يجب على المكلف أن يأتي بالطاعات للخوف والرجاء، وأن ذلك لا بد منه.


الصفحة التالية
Icon