والضمير في قوله « وَلاَهُمْ » يعود على « النَّفس » ؛ لأن المراد بها جنسُ الأنفس، وإنما عاد الضمير مذكراً، وإن كانت النفس مؤنثةً؛ لأنّ المراد بها العباد والأَنَاسِيّ.
قال الزمخشري :« كما تقول : ثلاثة أنفس ». يعني : إذا قصد به الذُّكُور؛ كقوله :[ الوافر ]

٤٦٨ ثَلاَثةُ أَنْفُسٍ وَثَلاَثُ ذوْدٍ .........................
ولكن النُّحَاة نَصُّوا على أنه ضرورةٌ، فالأَوْلَى أن يعود على الكفار الذين اختصتهم الآية؛ كما قال « ابن عطية ».
و « النَّصْر » : العون : ، والأَنْصَار : الأَعْوَان، ومنه ﴿ مَنْ أنصاري إِلَى الله ﴾ [ آل عمران : ٥٢ ] والنّصر أيضاً الانتقام، انتصر زيد : انتقم، والنصر : الإتْيَان نَصَرْتُ أَرْضَ بني فلانِ : أتيتها؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٤٦٩ إذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الحَرَامُ فَوَدِّعِي بِلاَدَ تَمِيمٍ وانْصُرِي أَرْضَ عَامِرِ
والنَّصْر : المطر، يقال : نصرت الأرض : مطرت.
قال « القَفّال » : تقول العرب : أرض مَنْصورَة أي ممطورة، والغَيْثُ ينصر البلاد : إذا أنبتها، ف : انه أغاث أَهْلَهَا.
وقيل في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ [ الحج : ١٥ ] أي : لن يرزقه الله، كما يرزق الغَيْثُ البِلادَ.
والنَّصْر : العَطَاءُ؛ قال :[ الرجز ]
٤٧٠ إِنِّي وَأَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا... لَقَائِلٌ : يَا نَصْرٌ نَصْرٌ نَصْرَا
ويتعدّى ب « على » قال تعالى :﴿ فانصرنا عَلَى القوم الكافرين ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] وأما قوله :﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم ﴾ [ الأنبياء : ٧٧ ] فيحتمل التعدّي ب « من » ويحتمل أن يكون من التضمين. أي : نصرناه بالانتقام له منهم.
فإن قيل : قوله :﴿ لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ﴾ تفيد ما أفاده ﴿ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ فما المقصود من هذا التكرار؟
فالجواب : أن قوله :﴿ لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ ﴾ أي : لا تتحمّل عنه غيره ما يلزمه من الجَزَاء.
وأما النُّصْرَة فهو أن يحاول تخليصه من حكم المعاقب، فإن قيل : قدم في هذه الآية قَبُول الشفاعة على أخذ الفدية، وفي الآية التي قيل قوله ﴿ وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] قدم قبول الفدية على ذكر الشَّفاعة فما [ الحكم؟ قال ابن الخطيب :]
فالجواب : أن من كان مَيْله إلى حبّ المال أشدّ من ميله إلى عُلُوّ النفس فإنه يقدّم [ التمسُّك ] بالشافعين على إعطاء الفدية، ومن كان بالعَكْسِ يقدّم الفدية على الشفاعة، ففائدة تغيير الترتيب الإشارة إلى هذين الصنفين.

فصلل في سبب نزول الآية


ذكروا أن سبب هذه الآية أن بني إسرائيل قالوا :﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [ المائدة : ١٨ ] وأبناء أنبيائه، وسيشفع لنا آباؤنا، فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تُقْبَلُ فيه الشفاعات، ولا يؤخذ فيه فدية.
وإنما خصّ الشّفاعة والفدية والنصر بالذِّكْرِ، لأنها هي المعاني التي اعتادها بَنُو آدم ف يالدنيا، فإنّ الواقع في الشِّدَّة لا يتخلَّص إلا بأن يشفع له، أو يفتدى، أو ينصر.

فصل في الشفاعة


أجمعت الأمّة على أنّ الشفاعة في الآخرة لمحمد ﷺ ثم [ اختلفوا في ] أن شفاعته ﷺ [ لمن ] تكون أي للمؤمنين المستحقّين للثواب أم لأهل الكبائر المستحقين للعقاب؟
فذهب المعتزلة إلى أنها للمستحقّين للثواب، وتأثير الشفاعة زيادة المَنَافع على ما استحقّوه.
وقال أصحابنا : تأثيرها في إسقاط العقاب عن المستحقّين العقاب بأن يشفع لهم في عرصة القيامة حتى لا يدخلوا النار، فإن دخلوا النار، فشفع لهم حتى يخرجوا منها ويدخلوا الجنة.
واتفقوا على أنها ليست للكفار.


الصفحة التالية
Icon