وقرىء :« يَذْبَحُونَ » بالتخفيف، والأولى قراءة الجماعة؛ لأن الذبح متكرر.
فإن قيل : لِمَ لم يؤت هُنَا بواو العطف كما أُتِيَ بها في إبراهيم ﷺ ؟
فالجواب : أنه أريد هنا التَّفسير كما تقدَّم، وفي سورة إبراهيم معناه : يعذِّبُونَكُم بالذَّبْح وبغير الذَّبْح.
وقيل : يجوز أن تكون « الواو » زائدةً، فتكون كآية « البقرة » ؛ واستدلَّ هذا القائل على زيادة الواو بقوله :[ الطويل ]

٤٧٧ فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى ...................
يريد : انتحى. وقوله :[ المتقارب ]
٤٧٨ إلَى المَلِكَ القَزْمِ وَابْنِ الهُمَامِ .........................
والجواب الأول أصح.
قل ابن الخطيب : المقصود من ذكر العطف في سورة « إبراهيم » ﷺ أنه تعالى قال قبل هذه الآية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ [ إبراهيم : ٥ ] والتذكير بأيام الله لا يصحل إلا [ بتعدد ] النعم، فوجب أن يكون المراد من قوله :﴿ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب ﴾ نوعاً من العذاب، والمارد من قوله :﴿ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ ﴾ نوعاً آخر، فتحصل منهما نوعان من النعمة، فلهذا وجب ذكر حرف العَطْف، وأما هذه الآية لم يرد الأمر إلاَّ بتذكر جنس النعمة، وهي قوله :﴿ اذكروا نِعْمَتِي ﴾ [ البقرة : ٤٧ ]، فسواء كان المراد من سوء العذاب هو الذّبح أو غيره، فإنَّ التذكير لجنس النعمة حاصل.
« والذّبح » أصله الشَّقّ، منه المَذَابح لأَخَادِيد السُّيول في الأرض.
والذَّبحك المذبوح « والذُّبَاح » : تشقق في [ أصول ] الأصابع. والمَذَابح أيضاً : المحاريب.
وأما « أبناء » جمع « ابن »، رجع به إلى أصله، فَزُدَّت لامه، إما الواو أو الياء حسبما تقدم.
والأصل :« أبناو » أو « أبناي »، فأبدل حرف العلة همزة لتطرفه بعد ألف زائدة، والمراد بهم : الأطفال عند أكثر المفسرين.
وقيل : الرجال، وعبر عنهم بالأبناء باعتبار ما كانوا؛ لأنه ذكرهم في مُقَابلة النساء. و « النِّسَاء » أسم للبَالِغَات، فكذا المُرَاد من الأبناء الرِّجَال البالغون.
قالوا : إنه كان يأمر بقَتْلِ الرجال الذين يخافون منهم الخُرُوج عليهم والتجمُّع لإفساد أمره.
والأول أولى لحمل لفظ الأبناء على ظاهره، ولأنه كان متعذّر قتل جميع الرِّجَال على كثرتهم، وأيضاً فكانوا مُحْتَاجين إليهم في استعمالهم في الأعمال الشَّاقة، ولو كان كذلك لم يكن لإلقاء موسى ﷺ في التَّابوت حال صغره معنى.
وأما قولهم : لأنه ذكرهم في مقابلة النساء ففيه جوابان :
الأول : أن الأبناء لما قتلوا حَالَ الطفولة لم يصيروا رجالاً، لم يجز إطلاق اسم الرجال عليهم.
أما البنات لما لم يُقْتَلْنَ، بل وصلن إلى حَدّ النساء جاز الإطلاق اسم النساء عليهن اعتباراً بالمآل.
الثانيك قال بعضهم : المراد بقوله :﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ﴾ أي يُفَتِّشُون حيء المرأة أي : فَرْجَهَا هل بها حمل أم لا؟

فصل في السبب الباعث على تقتيل الأبناء


ذكروا في سبب قَتْلِ الأبناء وجوهاً :
أحدها : قال ابن عباس : وقع إلى فرعون وطبقته ما كان الله وعد به إبراهيم أنيجعل في ذرّيته أنبياء وملوكاً فخافوا ذلك، واتفقت كلمتهم على إعدد رِجَالٍ يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذَبَحُوهُ فلما رأوا أكابرهم يموتون، وصغارهم يذبحون خافوا الفَنَاءَ فلا يجدون من يُبَاشر الأعمال الشّاقة، فصاروا يقتلون عاماً دون عام.


الصفحة التالية
Icon