« إذْ » في موضع نصب، و « الفَرْق » [ والفَلْق ] واحد، وهو الفصل والتمييز، ومنه :﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ﴾ [ الإسراء : ١٠٦ ] أيى : فَصّلناه ومَيَّزْنَاه بالقرآن والبيان.
والقرآن فُرقان لتمييزه بين الحق والباطل.
وقرأ الزُّهْرِي :« فَرَّقْنَا » بتشديد الراء. أي : جعلناه فرقاً.
قوله :« بكم » الظاهر أن الباء على بابها من كونها داخلة على الآلة، فكأنه فرق بهم كما يفرق بين الشَّيئين بما توسط بينهما.
وقال أبو البقاء : ويجوز أن تكون المعدية كقولك :« ذهبت بزيد »، فيكون التقدير : أفرقناكم البَحْر، ويكون بمعنى :﴿ وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ البحر ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ]. وهذا أقرب من الأول.
ويجوز أن تكن الباء للسببية أي : بسببكم، ويجوز أن تكون للحال من « البحر » أيك فرقناه ملتبساً بكم، ونظره الزمخشري بقوله :[ الوافر ]
٤٨١................. | تَدُوسُ بِنَا [ الجَمَاجِمَ ] والتَّرِيبَا |
قال أبو البقاء : أي : فرقنا البحر وأنتم به، فيكون إما حالاً مقدرة أو مقارنة، ولا حاجة إلى ذلك؛ لأنه لم يكن مفروقاً إلا بهم حال كونهم سالكين فيه.
وقال أيضاً : و « بكم » في موضع نصب مفعول ثانٍ ل « فَرَقْنَا » و « البحر » مفعول أول، والباء هنا في معنى اللام.
وفيه نظر؛ لأنه على تقدير تسليم كون الباء بمعنى اللامن فتكون لام العلّة، والمجرور بلام العلة لا يقال : إنه مفعول ثانٍ، لو قلت : ضربت زيداً لأجلك، لا يقول النحوي :« ضرب » يتعدّى لاثنين إلى أحدهما بنفسه، وللآخر بحرف الجر.
و « البَحْر » اصله : الشِّق الواسع، ومنه « البَحِيْرة » لِشَقِّ أذنهان وفيه الخلاف المتقدّم في « النهر » في كونه حقيقة في الماء، أو في الأّخْدُود؟
ويقال : فرس بَحْر أي : واسع الجَرْي، ويقال : أبْحَرَ الماء : ملح؛ قال نُصَيْب :[ الطويل ]
٤٨٢ وَقَدْ عَادَ مَاءُ الأَرْضِ بَحْراً فَزَادَنِي | إلَى مَرَضِي أنْ أبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ |
و « البحر » ك السُّلال يصيب الإنسان. ويقولون : لقيته صَحْرَةٌ بَحْرَةٌ، أي : بارزاً مكشوفاً.
قوله :« فأنجيناكم » أي : أخرجنانكم منه، يقال : نجوت من كذا نِجَاءً، ممدوداً، ونَجَاةً، مقصوراً، والصدق مَنْجَاة، وأَنْجَيْت غيري ونَجَّيته، وقرىء بهما :﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم ﴾ [ البقرة : ٤٩ ] « فأنجيناكم ».
قوله :﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾.
« الغَرَق » : الرسول في الماء، يقال : غَرِقَ في الماء غَرَقاً، فهو غَرِقٌ وغَارِقٌ أيضاً، وأَغْرَقَ غَيْرَهُ وغَرَّقَهُ، فهو مُغَرَّقٌ وغَرِيقُ؛ قال أبو النَّجْمِ :[ الرجز ]
٤٨٣ مِنْ بَيْن مَقْتُولٍ وطَافٍ غَارِقٍ... ويطلق على القتل بأي نوع كان؛ قال الأعشى :[ الطويل ]
٤٨٤................... | ألاّ لَيْتَ قَيْساً غَرَّقَتْهُ القَوابِلُ |