قرأ أبو عمرو ويعقوب :« وَعَدْنَا » هنا، وما كان مِثْلَه ثلاثاً، وقرأ الباقون :« وَاعَدْنَا » بالألفن واختار أبو عبيدة قراءة أبي عمرو، ورجّحها بأن المُوَاعدة إنما تكون من البَشَرِ، وأمَا الله تعالى فهو المنفرد بالوَعْدِ والوَعِيدِ، على هذا وجدنا القرآن نحو :﴿ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ ﴾ [ المائدة : ٩ ]، ﴿ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ]، ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله ﴾ [ الأنفال : ٧ ].
ورجحه مكّي فقال : وأيضاً فإن ظاهر اللفظ فيه « وعد » من الله تعالى لموسى، وليس فيه « وَعْد » من موسى، فوجب حمله على الواحد، بظاهر النص
ثم ذكر جماعة جلّة من القراء عليها كالحَسَنِ، وإبي رجاء، وأبي جعفر، وشيبة، وعيسى بن عمر، وقتادة، وابن إسحاق، ورجّحه أبو حاتم أيضاً بأن قراءة العامة عندنا « وَعَدْنَا » بغير ألف؛ لأن المُوَاعدة أكثر ما تكون بين المَخْلُوقين والمُتَكَافئين.
وقد أجاب الناس عن قول أبي عبيد، وأبي حاتم، ومكي بأن « المُفَاعلة » هنا صحيحة، بمعنى أن موسى نزل قبوله لالتزام الوفاء بمنزلة الوعد منه، أو أنه وعد أن يفي بما كلفه ربه.
وقال القفال :« ولا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله تعالى ويكون معناه يعاهد الله تعالى »، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله ﴾ [ التوبة : ٧٥ ] إلى أن قال :﴿ بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ ﴾ [ الأنفال : ٧٧ ].
وقال مكّي : المُوَاعدة أصلاً من اثنين، وقد تأتي بمعنى « فعل » نحو :« طَارَقْتُ النَّعْل » فجعل القراءتين بمعنى واحدٍ.
وقال الكسائي : ليس قوله الله :﴿ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ ﴾ [ النور : ٥٥ ] من هذا الباب في شيء؛ لأن « واعدنا موسى » إنما هو من باب المُوَافاة، وليس من الوعد في شيء، وإنما هو من قولك :« موعدك يوم كذا »، و « موضع كذا ».
والفصيح في هذا أن يقال :« واعدته »، قال تعالى حكاية عن موسى ﷺ أنه قال :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾ [ طه : ٥٩ ].
وقال الزجاج :« وَاعَدْنَا » بالألف جَيّد؛ لأن الطَّاعة في القبول بمنزلة المُوَاعد، فمن الله وَعْد، ومن موسى قَبُول واتباع، فجرى مجرى المواعدة.
وقال مكّي أيضاً :« والاختيار » واعدنا « بالألف؛ لأنه بمعنى » وعدنا « في أحد معنييه؛ ولأنه لا بُدَّ لموسى من وَعْد أو قَبُول يم مقام الوَعْدِ فتصحّ المُفَاعلة ».
قال ابن الخَطِيب : الأقوى أن الله تعالى وعد الوَحْي، وهو وعد الله المجيء للميقات.
قال الجوهري :« المِيعَادُ : المُوَاعدة والوقت والموضع » ؟
ووعد يتعدّى لاثنين، ف « موسى » مفعول أول، و « أربعين » مفعول ثانٍ، ولا بد من حذف مضاف، أي : تمام أربعين، ولا يجوز أن يتنصب على الظَّرف، لفساد المعنى، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جار مجرى جمع المذكر السَّالم، وهو في الأصل مفرد اسم جمع، سمي به هذا العَقْد من العدد، ولذلك أعربه بعضهم بالحركات؛ ومنه في أحد القولين :[ الوافر ]