وقال ابن الخطيب : لما أنعم عليهم بهذه النِّعْمَة، وأتوا عَقِيْبَ ذلك بأقبح أنواع الجهل الكُفْر، كان ذلك في حل التعجُّبن فهو كمن يقول : إني أحسنت إليك، وفعلت كذا وكذا، ثم إنك تقصدني بالسُّوء والإيذاء منه، و مثله :﴿ ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [ الأنعام : ١ ]، ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ [ الأنعام : ٢ ] ؛ ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذلك ﴾ [ البقرة : ٧٤ ]، ﴿ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً ﴾ [ الجاثية : ٨ ]، ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٨٥ ].
قوله :« مِنْ بعْدِهِ » متعلّق ب « اتَّخَذَتُمْ »، و « مِنْ » لابتداء الغاية والضمير بعود على مُوسى، ولا بُدّ من حذف مضافٍ، إي : من بعد انطلاقه أو مُضِيّه.
وقل ابن عطية :« يعود على موسى ».
وقيل :« على انطلاقه للمتكلّم ».
ويل : عرى الوَعْدِ، وفي كلامه بعض مُنَاقشة، فإن قوله :« وقيل يعود على انطلاقه » يقتضي عوده على موسى من غير تقدير مضاف، وذلك غير مُتَصَوَّر.
قوله :« وَأَنْتُم ضَالِمُونَ » جملة حالية من فاعل « اتَّخَذْتُمْ ».
و « العِجْل » ولد البقرةن والعُجُول مثله، والجمع عَجَاجِيْل، والأنثى « عِجْلة »، عن أبي الحسن، وسمي العجل عِجْلاً لاستعجالهم عبادته، ذكره القُرْطبي، وفيه نظر؛ لأن العِجْلَ ولد البقرة كان موجوداً قبل أن يتخذ بنو إسرائيل العِجْل.
فصل
قال أهل التَّفسير : لما ذهب موسى إلى الطُّور، وقال لأخيه هارون : اخلفني في قَوْمي، وكان قد بقي مع بني إسرائيل الثياب والحُلِيّ الذي استعاروه من القِبْطِ قال لهم هارون : إن هذه الثياب والحُلِيّ لا تحلّ لكم، وكان السَّامِرِيُّ من مسيره مع موسسى عليه السلام إلى البحر ينظر إلى حافر دَابّة جبريل حين تقدم على فرعون في دخول البحر.
قال بعض المفسرين : كان لكما نقل حافره يخضرّ مكانه نَبْتاً، فلهذا سمي فرس الحياة، ولا يصيب شيئاً إلا حَيي، فقال السّامريُّ :« إن لهذا النبت نَبَتأً، فقبض منه قَبْضَةَ، وقيل : قبض من تراب حَافِرِهِ، فذلك قوله :﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول ﴾ [ طه : ٩٦ ]، ثم إن السَّامري أخذ ما كان معهم من الذَّهب، فصوَّر منه عِجْلاً وألقى فيه تلك القَبْضة، فخرج له صوت كالخُوَارِ، فقال القوم :» هذا إلَهُكُمْ وإله موسى «
قال ابن عبّاس :» لأنه كان مُنَافقاً يظهر الإسلام، وكان يعبد البقر، وكان اسمه موسى بن ظفر «.
وقيل : متَّى.
وقيل : هارون، وإنهم عبدا العجل بعد مُجاوزة النَّهر لقوله تعالى :﴿ وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ البحر فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ].
فإن قيل : كل عاقل يعلم ببديهة عقله أن الصنم الذي لا يتحرّك، ولا يحسّ، ولا يعقل مستحيل أن يكون له إله السموات والأرض، وَهَبْ أنه ظهر من خُوَار، ولكن هذا القَدْر لا يصلح أن يكون شُبْهة في قَلْب أحد من العقلاء في كونه إلهاً، وأيضاً فإن القوم قد شاهدوا قبل ذلك من المعجزات الظاهرة التي تكون قريبةً من حَدّ الإلجاء من الدلالة على الصانع وصدق موسى عليه السَّلام فمع قوة هذه الدلالة وبلوغها إلى حَدّ الضرورة، لا يكون صدور الخُوَارِ من ذلك العِجْلِ يقتضي شبهة في كون ذلك الجسم المصوت إلهاً.