وهذه سُنّة الله في عبادة، قال رسول الله ﷺ :« ما من قَوْمٍ يُعمل فيهم بالمَعَاصِي هم أعزُّ منهم وأمنع لا يُغَيِّرُون إلا عَمَّهُمُ الله بِعِقَابٍ ».
فإن قيل : التوبة لا تكون إلا للباري فما الفائدة في ذكره؟
والجواب : كأنه قال : لما أذنبتم إلى الله وجب أن تتوبوا إلى الله.
فإن قيل : كيف استحقُّوا القتل، وهم تابوا من الردَّة، والتائب من الردة لا يقتل؟
والجواب : أن ذلك مما يختلف [ بالشرائع ].
قوله :﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾.
قال بعضهم :« ذلكم » مفرد وقاع مقوع « ذانكم » المُثَنَّى؛ لأنه قد تقدّم اثنان : التوبة، والقَتْل.
قال أبو البقاء :« وهذا ليس بشيء؛ لأن قوله :» فاقتلوا « تفسير للتوبة فهو واحد ».
و « خير » « أفعل » تفضيل، و~أصله : أَخْيَر، وإنما حذفت همزته تخفيفاً، ولا ترجع هذه الهمزة إلا في ضرورة؛ قال :[ الرجز ]
٥٠٤ بِلاَلٌ خَيْرٌ النَّاسِ وَابْنُ الأخْيَرِ... ومثله :« شَرّ » لا يجوز « أَشَرّ » إلا في ندور، وقد قرىء :﴿ مَّنِ الكذاب الأشر ﴾ [ القمر : ٢٦ ] وإذا بني من هذه المادة فعل تعجّب على « أفْعَل »، فلا تحذف همزته إلا في ندور، كقولهم :« ما خَي } ر اللبن للصحيح، وما شَرّه للمبطون » ف « خَيْر وشَرّ » قد خرجا عن نظائرهما في باب التَّفضيل والتعجُّب.
و « خَيْر » أيضاً مخفف من « خَيْر » على « فَيْعل » ولا يكون من هذا الباب، ومنه :﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴾ [ الرحمن : ٧٠ ].
قال بعضهم : مخفف من « خَيِّرات ». والمفضّل عليه محذوف للعلم به، أي : خير لكم من عدم التوبة. ول « أفعل » التفضيل أحكام كثيرة، وباقي منها ما يضطر إليه.
قوله :﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ في الكلام حّذْفٌ، وهو : ففعلتم ما أمرتم به من القتل فتاب عليكم، والفاء الأولى في قوله :« فَتُوبُوا » للسببية؛ لأن الظلم سَبَبُ التوبة.
والثانية للتعقيب؛ لأن المعنى : فاعزموا على التَّوْبةن فاقتلوا أنفسكم.
والثَّالثة متعلقة بمحذوف ولا يخلو : إما أن ينتظم في قول مُوسَى لهم فيتعلّق بشرط محذوف، كأنه قال : وإن فعلتم فقد تاب عليكم، وإما أن يكون خطاباً من الله لهم على طريقة الالْتِفَاتِ، فيكون التقدير : ففعلتم ما أمركم به موسى، فتاب عليكم بارئكم. قاله الزمخشري.
وقوله :﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾، أي فتجاوز عن الباقين منكم. إنه هو التواب الرحيم.