وقال الكوفيون : هي بمعنى « غير » وهذا قريبٌ من كونها زائدةً، فإنه لو صرح ب « غير » كانت للتأكيد أيضاً، وقد قرأ بذلك عمر بن الخَطَّاب وأبيُّ رضي الله عنهما.
و « الضَّالين » مجرور عطفاً على « المغضوب »، وقرىء شاذاً « الضَّأَلِّينَ »، بهمز الألف؛ وانشدوا :[ الطويل ]
٨٩- وَلِلأَرْضِ أمَّا سُودُهَا فَتَجَلّلََتْ... بَيَاضاً، وأَمَّا بِيضُهَا فَادْهَأَمَّتِ
قال الزَّمَخْشَرِي « :» وفعلوا ذلك، لِلْجِدِّ في الهَرَبِ من التقاء السَّاكنين «.
وقد فعلوا ذلك حتى لا سَاكِنَانِ؛ قال الشاعر :[ الرجز ]
٩٠- وَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذّا العَأْلَمِ... بهمز » العألم «.
وقال آخر :[ البسيط ]
٩١- وَلَّى نَعَامُ بَنِي صَفْوَانَ زَوْرَأَةً.....................
بهمز ألف » زَوْرَأَة «، والظَّاهر أنها لغةٌ مطَّردةٌ؛ فإنهم قالوا في القراءة ابن ذَكْوَان :» مِنْسَأَتَهُ « بهمز ساكنة : إنَّ اصلها ألف، فقلبت همزة ساكنة.
فإن قيل : لم أتى بصلة » الذين « فعلاً ماضياً؟
قيل : ليدلّ ذلك على ثبوت إنعام الله -تبارك وتعالى- عليهم وتحقيقه لهم، وأتى بصلة » أل « اسماً ليشمل سائر الأزمان، وجاء مبنيَّاً للمفعول؛ تحسيناً للفظ؛ لأنّ من طلبت منه الهداية، ونسب الإنعام إليه لا يناسبه نسبة الغضب إليه، لأنه مقام تلطُّف، وترفُّق لطلب الإحسان، فلا يحسن مواجهته بصفة الانتقام.
والإنعام : إيصال الإحسان إلى الغير، ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه الإحْسَان من العُقَلاء، فلا يقال : أنعم فلان على فَرَسِهِ، ولا حماره.
والغضب : ثَوَرَان دم القلب إرادة الانتقام، ومنه قوله ﷺ :» اتَّقُوا الغَضَبَ فإنه جَمْرَةٌ تُوقَدُ في قَلْبِ ابنِ آدَمِ، ألم تَرَ إلى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وحُمْرَةِ عينيه «.
وإذا وصف به الباري -تبارك وتعالى- فالمراد به الانتقام لا غيره.
قال ابن الخطيب -رحمه الله تعالى- : هنا قاعدة كليةٌ، وهي أن جميع الأعراض النَّفْسَانية- أعني الرحمة، والفرح، والسُّرور، والغضب، والحَيَاء، والعُتُوّ، والتكبر، والاستهزاء -لها أوائل ولها غايات.
ومثاله : الغضب : فإنّ أول غليان دم القلب، وغايته : إرادة إيصال الضَّرَرِ إلى [ المغضوب عليه، فلفظ الغضب في حق الله لا يحمل على أوله الذي هو غليان دم القلب، بل على غايته الذي هو إرادة الإضرار، وأيضاً الحَيَاءُ ] له أول وهو انكسار النفس، وهذه قاعدة شريفة في هذا الباب.
ويقال : فُلاَن غُضبَّة : إذا كان سريع الغَضَب.
ويقال : غضبت لفلان إذا كان حيَّا وغضبت به إذا كان ميتاً.
وقيل : الغضب تغيُّر القلب لمكروه.
وقيل : إن أريد بالغضب العُقُوبة كان صفة فعل، وإن أريد به إرادة العقوبة كانت صفة ذاتٍ.
والضلال : الخَفَاء والغيبوبة.
وقيل : الهلاك، فمن الأول قولهم : ضَلَّ الناءُ في اللبن.
[ وقال القائل ] :[ الوافر ]
٩٢- أَلَم تَسْأَلْ فَتُخْبِرَكَ الدِّيَارُ... عَن الحَيِّ المُضَلِّلِ أَيْنَ سَارُوا؟
» والضَّلضلَة « : حجر أملس يَرُده السَّيْل في الوادي.