« لن نَصْبِرَ » ناصب منصوب، والجملة في محلّ نصب بالقول، وتقدم الكلام على « لن ».
قوله :﴿ طَعَامٍ وَاحِدٍ ﴾، وإنما كان طعامين هما : المَنّ والسَّلْوَى؛ لأن المراد بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدّل، فأريد بالوحدة نفي التبديل لا الاختلاف، أو لأنهما ضرب واحد؛ لأ، هما من طعام أهل التلذُّذ والترف، ونحن أهل زِرَاعات لا نريد إلا ما ألفناه من الأشياء المتفاوتة، أو لأنهم كانوا يأكلون أحدهما بالآخر، أو لأنهما كانا يؤكلان في وقت واحد.
وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم : كانوا يعجنون المَنَّ والسّلوى، فيصير طعاماً واحداً.
وقيل : لأن العرب تعبّر عن الاثنين بلفظ الواحد، وبلفظ الواحد عن الواحد، كقوله تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ]، وإنما يخرجان من المِلْحِ دون العَذْب.
قال ابن الخطيب : ليس المراد أنه واحد في النوع، بل إنه واحد في المَهْجِ، كما يقال : إن طعام فلان على مائدة طعام واحداً إذا كان لا يتغيّر عن نهجه.
وقيل : كنوا بذلك عن الغنى، فكأنهم قالوا : لن نرضى أن نكون كلنا مشتركين في شيء واحد فلا يخدم بعضنا بعضاً، وكذلك كانوا أول من اتخذ الخدم والعبيد. و « الطعام » : اسم لكل ما يطعم من مأكول ومشروب، ومنه :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ ﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ]، وقد يختص ببعض المأكولات كاختصاصه بالبُرّ والتَّمْرِ في حديث الصًّدَقة، أو صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير. والطَّعم بفتح الطاء المصدر أو ما يشتهى من الطعام أو ما يؤديه الذوق، تقول : طَعْمُهُ حُلْو وطَعْمُهُ مُرّ، وبضمها الشيء المطعوم كالأُكْلِ والأَكْل؛ قال أبو خِرَاشٍ :[ الطويل ]
٥٢٧ أَرُدُّ شُجَاعَ البَطْنِ لَوْ تَعْلَمِينَهُ | وأُوثِرُ غَيْرِي مِنْ عِيَالِكِ بالطُّعْمِ |
وأَغْتَبِقُ المَاءَ القَرَاحَ فَأَنْتَهِي | إذَا الزَّادُ أَمْسَى للْمُزَلَّجِ ذَا طَعْمِ |
٥٢٨ نَعَاماً بِوَجْرَةَ صُفْرَ الْخُدُودِ | مَا تَطعَمُ النَّوْمَ إِلاَّ صِيَامَا |
بضم العين من « دَعَا يدعو ».
ولغة بني عامر « فَادْعِ » بكسر العين قال أبو البقاء :« لالتقاء السَّاكنَيْنِ؛ يُجْرُونَ المعتلَّ مُجْرَى الصَّحيح، ولا يراعون المحذُوفَ » يعني أن العَيْنَ ساكنةٌ، لأجل الأمر، والدَّالُ قبلها ساكنةٌ، فكسرت العين، وفيه نظرٌ، لأن القاعدة في هذا ونحوه أن يُكْسَر الأوَّو من الساكنين، لا الثاني، فيجوزُ أنْ يكُون من لُغتِهِمْ « دَعَا يَدْعِي » مثل « رَمَى يَرْمي »، والدُّعَاء هنا السُّؤال، ويكون هنا بمعنَى التَّسْمية؛ كقوله :[ الطويل ]