والجواب : يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد.
سؤال آخر
وهو من أنعم الله -تعالى- عليه امتنع أن يكون مغضوباً عليه، وأن يكون من الضَّالين، فلما ذكر قوله :﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، فما الفائدة في أن ذكر عقبيه :﴿ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين ﴾ ؟
والجواب : الإيمان إنما يكمل بالرَّجاء والخوف، كما قال ﷺ :« لَوْ وُزِنَ خَوْفُ المُؤْمِن وَرَجَاؤُهُ لاعتْدَلا »، فقوله :﴿ صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ يوجب الرَّجَاء الكامل، وقوله تعالى :﴿ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين ﴾ يوجب الخوف الكامل، وحينئذٍ يقوى الإيمان بركنيه وطرفيه، وينتهي إلى حَدِّ الكمال.
سؤال آخر
ما الحكمة في أنه -تَعَالَى- جعل المقبولين طائفةً واحدةً، وهم الذين أنعم الله عليهم، والمردودين فريقين : المغضوب عليهم، والضَّالين؟ فالجواب : أنّ الذين كلمت نعم الله -تعالى- عليهم هم الذين جمعوا بين معرفة الحَقِّ لذاته، والخير لأجل العمل به فهؤلاء هم المُرَادون بقوله :﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، فإن اختلّ قيد العمل فهم الفَسَقَةُ، وهم المغضوب عليهم، كما قال تعالى :﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ﴾ [ النساء : ٩٣ ].
وإن اختلّ قيد العلم فهم الضَّالون لقوله تعالى :﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال ﴾ [ يونس : ٣٢ ].
فصل في حروف لم ترد في هذه السورة
قالوا : إنّ هذه السورة لم يحصل فيها سبعة من الحروف، وهو الثاء، والجيم، والخاء، والزاي، والشين، والظاء، والفاء، والسبب فيه أن هذه الحروف مُشْعرة بالعذاب، فالثناء أوّل حروف الثبور.
والجيم أوّل حروف جهنم.
والخاء : أول حرف الخِزْيِ.
والزاي والشين أول حروف الزفير والشّهيق، والزّقوم والشّقاوة.
والظَّاء أول حرف ظلّ ذي ثلاث شعب، ويدل أيضاً على لَظَى الظاء.
والفاء أول حروف الفراق تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [ الروم : ١٤ ].
قلنا : فائدته أنه -تعالى- وصف جهنَّم بأن ﴿ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ﴾ [ الحجر : ٤٤ ] فلما أسقط هذه الحروف السّبعة الدّالة على العَذّاب من هذه السورة نبّه بذلك على أن من قرأ هذه السورة، وآمن بها، وعرف حقائقها أمن من دَرَكَاتِ جهنم السّبعة.
القول في « آمين » : ليست من القرآن إجماعاً، ومعناها : اللَّهم اسمع واستجب.
وقال ابن عباس وقتادة -رضي الله تعالى عنهما- : معناه كذلك يكون فهي اسم فعل مَبْنِيّ على الفَتْحِ.
وقيل : ليس باسم فعل، بل هو من أسماء البَارِي تعالى، والتقدير : يا آمين، وضعف أبو البقاء هذا بوجهين :
أحدهما : أنه لو كان كذلك لَكَانَ ينبغي أن يبني على الضَّمِّ، لنه منادى مفرد معرفة.