ونظر ذلك نهيه المؤمنين عن قولهم :﴿ رَاعِنَا ﴾ [ البقرة : ١٠٤ ] لما وجدت اليهود بذلك طريقاً إلى السَّب به في لغتهم، أو يكون حضَّا منه ﷺ على تَحَرِّي أفصح اللغات في القرآن وغيره، وأما من لم يهمز، فإنه يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه من المهموز، ولكن [ خفف ]، وهذا أولى ليُوافق القراءتين، ولظهور الهمز في قولهم : تنبأ مسليمة :« يا خاتم النُّبَآء..... ».
والثاني : أنه أصل آخر بنفسه مشتقّ من « نَبَا يَنْبُو » : إذا ظهر وارتفع، ولا شَكَ أن رتبة النبي ﷺ مرتفعة، ومنزلته ظاهرة بخلاف غيره من الخَلْقِ، والأصل :« نبيو وأنبواء »، فاجتمع الياء ولواو : وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء ك « ميت » في « ميوت »، وانكسر ما قبل الواو في الجمع فقلبت ياء، فصار : أنبياء.
والواو في « النبوة » بدل من الهمزة على الأول، وأصل بنفسها على الثّاني، فهو « فعيل » بمعنى « فاعل »، أي : ظاهر مرتفع، أو بمعنى مفعول أي : رفعه الله على خَلْقِهِ، أو يكون مأخوذاً من النبي الذي هو الطريق، وذلك أن النبي طريق الله إلى خلقه، به يتوصّلون إلى معرفة خالقهم؛ قال الشاعر :[ البسيط ]
٥٤٧لَمَّا وَرَدْنَ نُبَيِّا وَاسْتَتَبَّ بِنَا | مُسْحَنْفِرٌ كَخُطُوطِ النَّسْجِ مُنْسَحِلُ |
٥٤٨ لأَصْبَحَ رَتْاً دُقَاقَ الحَصَى | مَكَانَ النَّبِيِّ مِنَ الكَاثِبِ |
و « الكَاثِب » بالمثلثة : اسم جَبَل، وقالوا في تحقير نُبُوّة مسيلمة : نَبِيئة.
وقالوا : جمعه أبيناء قياس مُطّرد في « فعيل » المعتل نحو :« وَلِيّ وأولياء، وصَفِيّ وأصفياء ».
وأما قَالُون فإنما ترك الهمز في الموضعين المذكورين لمَدْرَكٍ آخر، هو أنه من أصله في اجتماع الهمزتين من كلمتين إذا كانتا مكسورتين أن تسهل الأولى، إلا أن يقع قبلها حرف مدّ، فتبدل وتدغم، فلزمه أن يفعل هنا ما فعل في :﴿ بالسواء إِلاَّ ﴾ [ يوسف : ٥٣ ] من الإبدال والإدغام، إلاّ أنه روي عنه خلاف في :﴿ بالسواء إِلاَّ ﴾ ولم يُرْو عنه [ هنا ] خلافٌ كأنه التزم البدل لكثرة الاستعمال في هذه اللَّفظة وبابها، ففي التحقيق لم يترك همزة « النَّبيّ » ن بل همزه ولما همزه أدّاه قياس تخفيفه إلى ذلك، ويدلّ على هذا الاعتبار أنه إنما يَفْعَل ذلك حيث يَصِل، أمّا إذا وقف فإنه يهمزه في الموضعين، لزوال السَّبب المذكور، فهو تارك للهمز لفظاً آتٍ به تقديراً.
فإن قيل : قوله :« يَكْفُرُونَ » دخل تحته قتل الأنبياء، فَلِمَ أعاد ذكره؟
فالجواب : إن المذكور هنا هو الكفر بآيات الله، وهو الجهل والجَحْد بآياته، فلا يدخل تحته قتل الأنبياء.
قوله :﴿ بِغَيْرِ الحق ﴾ في محلّ نصب على الحال من فاعل « يقتلون » تقديره : يقتلونهم مبطلين، ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف تقديره : قتلاً كائناً بغير الحَقِّ، فيتعلّق بمحذوف.