[ فراعى المعنى ] وقد تقدم تحقيق ذلك [ عند ) قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا ﴾ [ البقرة : ٨ ] والأجر في الأصل مصدر يقال : أجره الله يَأْجُرُه أَجْراً، وقد يعبر به عن نفس الشيء المُجَازَى به، والآية الكريمة تحتمل المعنيين.
والمارد بهذه العِنْدِيَّةِ أن أجرهم متيقّن جارٍ مجرى الحاصل عندهم.
قوله :﴿ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ فقيل : أراد زوال الخوف [ عنهم ] في الدنيا.
وقيل : الآخرة وهو أصح؛ لأنه عامّ في النفي، وكذا قوله :« وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ »، وهذه لا تحصل في الدنيا؛ لأنّ المكلف في الدنيا لا ينفك من خوف وحزن، إما في أسباب الدنيا، أو في أمور الآخرة، فكأنه سبحانه وعَدَهُمْ في الآخرة بالأجر، ثم بين صفة ذلك الأجر أن يكون خالياً من الخوف والحزن، وذلك يوجب أن يكون نعيمهم دائماً؛ لأنهم لو جوّزوا كونه منقطعاً لاعتراهم الخوف العظيم.
فإن قيل : فما الحكمة في قوله تعالى هاهنا :« الصَّابئين » منصوبة، وفي « المائدة » :﴿ والصابئون ﴾ [ المائدة : ٦٩ ] مرفوعة. وقال في الحج :﴿ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ﴾ [ الحج : ١٧ ] فقدم « الصَّابئين » على « النصارى » في آية، وأخَّر « الصَّائبين » في الأخرى، فهل في ذلك حكمة ظاهرة.
قال ابن الخَطيب : إن أدركنا تلك الحكم فقد فُزْنَا بالكمال، وإن عجزنا أحلنا القصور على أفهامنا لا على كلام الحكيم.


الصفحة التالية
Icon