« لَوْلاَ قَوْمُكِ حَديثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ »، وقول الآخر :[ الطويل ]

٥٦١ فَلَوْلاَ بَنُوهَا حَوْلَهَا لَخَبَطْتُهَا ...................
وإن دلّ عليه دليل جاز الذِّكر والحذف نحو :« لولا زيد لَغُلِبْنَا » : شجاع، وعليه بيت المعرّي المتقدم.
وقال أبو البَقَاءِ : ولزم حذف الخبر للعلم به، وطول الكَلاَم فإن وقعت « أن » بعدها ظهر الخبر كقوله :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين ﴾ [ الصافات : ١٤٣ ] فالخبر في اللّفظ ل « أن »، وهذا الَّذِي قاله موهم، ولا تعلّق لخبر « أن » بالخبر المحذوف، ولا يغني عنه ألبتة فهو كغيره سواء، والتقدير : فلولا كونه مسبحاً حَاضِرٌ أو موجودٌ. فأي فائدة في ذكره لهذا؟ [ والخبر ] يجب حذفه في صور أخرى تأتي مفصّلة إن شاء الله تعالى في مواضعها، وقد تقدم عنى الفضل عند قوله :﴿ فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين ﴾ [ البقرة : ٤٧ ].
قوله :﴿ لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين ﴾ اللاَّ جواب « لولا » والعم أن جوابها إن كان مثبتاً، فالكثير دخول اللام كهذه الآية ونظائرها، ويقلّ حذفها؛ قال :[ البسيط ]
٥٦٢ لَوْلاَ الحَيَاءُ وَلَوْلاَ الذِّينُ عِبْتُكُمَا بِبَعْضِ مَا فِيكُمَا إذْ عِبْتُمَا عَوَرِي
وإن كان منفيًّا فلا يخلو : إما أن يكون حرف النَّفي « ما » أو غيرها، إن كان غيرها فترك اللام واجب نحو :« لولا زيد لم أقم، ولن أقوم »، لئلا يتوالى لامان، وإن كان ب « ما » فالكثير الحَذْف، ويقلّ الإتيان بها، وهكذا حكم جواب « لو » الامتناعية، وقد تقدم عند قوله :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠ ]، ولا محلّ لجوابها من الإعراب. و « من الخاسرينَ » في محلّ نصب خبر « كان »، و « من » للتبعيض.

فصل في تفسير فضل الله عليهم


ذكر القَفَّال في تفسيره وجهين :
الأول : لولا تفضل الله عليكم من إمهالكم، وتأخير العذاب عنكم لكنتم من الخاسرين، أي من الهالكين [ الذين باعوا أنفسهم بنار جهنم ]، ومنه قوله تعالى :﴿ خَسِرَ الدنيا والآخرة ﴾ [ الحج : ١١ ].
والثاني : أن يكون الخبر قد انتهى عند قوله :﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذلك ﴾، ثم قال :﴿ فَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ رجوعاً بالكلام إلى أوله، أي : لولا لطف الله تعالى بكم برفع الجبل فوقكم لَدُمْتُمْ على ردّكم الكتاب ولكنه تفضل عليكم ورحمكم ولولا ذلك لكنتم من الخاسرين ببقائكم على تلك الحالة حتى يتم.
فإن قيل : كلمة « لولا » تفيد انتفاء الشيء لوجود غيره، فهذا يقتضي أن انْتِفَاء الخسران من لوازم حُصُول فضل الله تعالى بحيث حصل الخُسْران وجب أن يحصل هناك لطف الله تعالى.
وهذا يقتضي أن الله تعالى لم يفعل بالكافر شيئاً من الألطاف الدينية، وذلك خلاف قوله المعتزلة.
أجاب الكعبي بأنه تعالى سَوّى بين الكُلّ في الفضل، لكن بعضهم انتفع دون بعض، فصح أن يقال ذلك كما يقول القائل لرجل وقد سوى بين أولاده في العطية فانتفع بعضهم لولا أن أباك [ فضّلك ] لكنت فقيراً، هذا ضعيف؛ لأن أهل اللّغة نصوا على أن « لولا » تفيد انتفاء الشيء لثبوت غيره، وإذا ثبت هذا فكلام الكَعْبِي ساقط.


الصفحة التالية
Icon