فالجواب : لم لا يجوز أن يقال : إنّ الذي كان إنساناً عاقلاً فاهماً كان ثابتاً لم يتغير، وإنما تغيرت الصورة فلم يقدر على النّطق والأفعال الإنسانية، لكنها كانت تعرف ما نالها من تغير الخِلْقة بسبب المعصية، فكانت في نهاية الخوف والخَجَل، وربما كانت متألمة بسبب تغير تلك الأعضاء؟.
فإن قيل : أولئك القردة بقوا أو هلكوا، فإن قوا فالقردة الموجودون في زماننا هل يجوز أن يكونوا من نَسْلِهمْ أم لا؟
فالجواب : الكل جائز، إلاّ أن الرواية عن ابن عباس أنهم مكثوا ثلاثة أيام، ثم هلكوا ولم يأكلوا ولم يشربوا، ولم ينسلوا.
قال ابن عطية : وروي عن النبي ﷺ أنه قال « إن المَمْسوخ لا يَنْسِلُ، ولا يَأْكل، ولا يَشْرَب، ولا يَعيْش أكثر من ثَلاَثَة أيام » قاله القُرْطبي. وهذا هو الصحيح.
واحتج ابن العَرَبيّ وغيره على أن المَمْسُوخَ يَعيش، ويَنسل، لقوله عليه الصلاة واللام :« إنّ امة من بَنِي إسْرَائِيْلَ لا يُدْرى ما فعلت ولا أراها إلا الفَأْر ألا ترونها إذا وضع لها أَلْبَان الإِبِلِ لم تَشْرَبْهُ وإذا وضع لها أَلْبَان الشَّاة تشربها ».
ويقول جابر رضي الله عنه : أُتِيَ النبي ﷺ بِضَبٍّ فأَبى أن يأكل منه وقال :« لا أَدْرى لعلّه من القُرُون التي مُسِخَتْ ».
وروى البخاري عن عمر بن ميمن أنه قال :« رأيت في الجاهلية قدرةً قد زَنَتْ فرجموها فرجمتها معهم ».
قال ابن العربيك فإن قيل : كيف تعرف البَهَائم الشرائع حتى ورثوها خَلْفاً عن خَلْفٍ إلى زمان عمر؟
قلنا : نعم! كان ذلك؛ لأن اليهود غَيَّرُوا الرَّجم، فأراد الله أن يقيمه في مسوخهم حتى يكون أبلغ في قيام الحُجَّة على ما أنكروا وغيّروه، حتى تشهد عليم كتبهم، وأَخْبارهم، ومسوخهم، حتى يعلموا أنّ الله يعلم ما يُسِرُّون وما يعلنون.
قال القرطبي : ولا حُجَّة في شيء من ذلك، أما حديث الفأر والضَّبّ فكان هذا حَدْساً منه ﷺ قبل أن يوحى إليه أنّ الممسوخ لا يعيش ولا يَنْسل.
وأما حديث القدرة ففي بعض الروايات لم يذكروا فيها أنها زنت إنما ذكر الرَّجم فقط، وإنما أخرجه البخاري دلالة على أن [ عمر بن ميمون أدرك الجاهلية، ولم يُبَالِ بظنه الذي ظنه في الجاهلية، وذكر ابن عبد البر أن ] عمرو بن ميمون من كبار التابعين من لكوفيين، هو الذي رأى الرجم في الجاهلية من القردة.
« فَجَعَلْنَاهَا » فعل وفاعل ومفعول.
« نَكَالاً » مفعول ثانٍ ل « جعل » التي بمعنى « صبر » والأول هو الضمير، وفيه أقوال : أحدها : يعود على المَسْخَة.