وقال القَفّال : ظاهره يدلّ على أن الله تعالى قال هذا لبني إسرائيل أي : إحياء الله الموتى يكون مثل هذا الذي شاهدتم؛ لأنهم وإن كانوا مؤمنين بذلك إلاَّ أنهم لم يؤمنوا به إلاَّ من طريق الاستدلال، ولم يشاهدوا شيئاً منه، فإذا شاهدوه اطمأنت قلوبهم، وانتفت عنهم الشّبهة، فأحيا الله القتيلَ عياناً، ثم قال لهمك كذلك يحيي الله المَوْتَى، أي : كما أحياها في الدُّنيا يحييها في الآخرة من غير احتياج إلى مادّة ومثال وآلة التي لا يخلو منها المستدل.
قوله :« وَيُريكُمْ آيَاتِهِ » الرؤيا هنا بَصَرية، فالهمزة للتعدية أكسبت الفعل مفعولاً ثانياً وهو « آياته »، والمعنى : يجعلكم مُبْصرين آياته.
و « كم » هو المفعول الأول، وأصل « يريكم » : يُأَرْإيكم، فحذفت همزة « أفعل » في المضارعة لما تقدم في ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ البقرة : ٣ ] وبابه، [ فبقي يُرْئيكم ]، فنقلبت حركة الهمزة على « الراء »، وحذفت « الهمزة » تخفيفاً، وهو نقل لازم في مادة « رأى » وبابه دون غيره مما عينه همزة نحو :« نأى ينأى » ولا يجوز عدم النقل في « رأي » وبابه إلا ضرورة كقوله :[ الوافر ]
٥٩٢ أُرِي عَيْنَيَّ مَالَمْ تَرْأَيَاهُ | كِلاَنا عَلِمٌ بِالتُّرَّهَاتِ |
فصل في نظم الآية
[ القائل أن يقول ] : إن ذلك كان آية واحدة فلم سميت بالآيات؟
فالجواب : أنها تدلّ على وجود الصانع القادر على المقدورات العالم بكلّ المعلومات المختار في الإيجاد والإبداع، وعلى صدق موسى عليه الصَّلاة والسَّلام ت وعلى براءة من لم يقتل، وعلى تعيين القاتل، فهي وإن كانت آية واحدة إلا أنها لَمَّا دلت على [ هذه ] المدلولات الكبيرة لا جرم جرت مجرى الآيات.
قوله :﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ تقدم تفسير العَقْل.
قال الواقديك كل ما في القرآن من قوله :« لَعَلَّكُمْ » فهو بمعنى « لكن » إلاّ التي في الشعراء :﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [ الشعراء : ١٢٩ ] فإنه بمعنى لعلكم تخلدون فلا تموتون.
فإن قيل : القوم كانوا عقلاء قبل عرض هذه الآية عليهم، وإذا كانوا عقلاء امتنع أن يقال : إني عرضت عليك ا لآية الفلانية لكي تصير عاقلاً [ فالجواب أنه ] لا يمكن إجراء الآية على ظاهرها، بل لا بد من التأويل، وهو أن يكون المراد : لعلكم تعلمون لعدم الاختصاص حتى لاينكروا المبعث
فصل في توريث القاتل
ذكر كثير من المتقدمين أن من جملة أحكام هذه الآية أن القاتل هل يرث أم لا؟
قالوا : لا، لأنه روي عن عَبِيْدَةَ السَّلْمَاني أن الرجل القاتل في هذه [ الواقعة ] حرم الميراث لكونه قاتلاً.
قال القاضي :« لا يجوز جعل هذه المسألة من أحكام هذه الآية؛ لأنه ليس في ظاهر الآية أن القاتل هل كان وارثاً لقتيله أم لا » وبتقدير أن يكون وارثاً فهل حرم الميراث أم لا؟ وليس يجب إذ روي عن عبيدة أن القاتل حرم الميراث لكونه قاتلاً، أي : بعد ذلك في جملة أحكام القرآن إذا كان لا يدلّ عليه لا مجملاً ولا مفصلاً، وإذا كان كذلك لم يثبت أن شرعهم كشرعنا، وأنه [ لا ] يلزم الاقتداء لهم.