لم يكن المسكن حاجزاً حصيناً عندهم.
و « الفريق » اسم جمع لا واحد له من لفظه ك « رَهْط وَقَوْم »، وجمعه في أدنى العدد « أَفْرقه »، وفي الكثير « أفْرِقَاء ».
و « يَسْمَعُون » نعت ل « فريق »، وفيه بعد، و « كان » وما في حَيّزها في محلّ نصب على ما تقدم.
وقرىء :« كَلِمَ اللهِ » وهو اسم جنس واحدة كلمة، وفرّق النحاة بين الكلام والكلم، بأن الكلام شرطه الإفادة، والكلم شرطه التركيب من ثلاث فصاعداً؛ لأنه جمع في المعنى، وأقلّ الجمع ثلاثة، فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه، وهل « الكلام » مصدر أو اسم مصدر؟ خلاف.
والمادة تدل على التأثير، ومنه الكَلْم وهو الجُرْح، والكَلاَم يؤثر في المخاطب.
قال الشاعر :[ المتقارب ]

٥٩٨................ وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ الْيَدِ
ويطلق الكلام لغة على الخَطِّ والإشارة؛ كقوله :[ الطويل ]
٥٩٩ إِذَا كَلَّمَتْنِي بِالعُيُونِ الفَوَاتِرِ رَدَدْتُ عَلَيْهَا بِالدُّمُوعِ الْبَوادِرِ
وعلى النفساني؛ قال الأخطل :[ الكامل ]
٦٠٠ إِنَّ الْكَلاَمَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنِّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلاً
وقيل : لم يوجد هذا البيت في ديون الأخطل.
وأما عند النحويين [ فيطلق ] على اللّفظ المركب المفيد بالوضع.
و « ثم » للتراخي إما في الزمان أو الرتبة.
و « التحريف » : الإمالة والتحويل، وأصله من الانحراف عن الشيء، ويقال : قلم محرّف إذا كان مائلاً.
قوله :« منْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ » متعلق ب « يحرفونه »، و « ما » يجوز أن تكن موصولة اسمية، أي : ثم يحرفون الكلام من بعد المعنى الذي فهموه وعرفوه، ويجوز أن تكون مصدرية.
والضمير في « عقلوه » يعود حينئذ على الكلام أي : من بعد تعقلهم إياه.
قوله :« وَهُمْ يَعْلَمُونَ » جملة حالية، وفي العامل قولان :
أحدهما :« عقلوه »، ولكن يلزم منه أن تكون حالاً مؤكدة؛ لأن معناها قد فهم من قوله :« عقلوه ».
والثاني وهو الظاهر : أنه « يحرفونه »، أي : يحرفونه حال علمهم بذلك.

فصل في تعيين الفريق


قال بعضهم : الفريق مَنْ كان في زمن موسى عليه الصَّلاة والسَّلام؛ لأنه وصفهم بأنهم سمعوا كلام الله، والذين سمعوا كلام الله هم أهل المِيْقَاتِ.
قال ابن عباس : هذه الآية نزلت في السَبعين المختارين الذين ذهبوا مع موسى ﷺ إلى المِيْقَات، سمعوا كلام الله، وأمره ونهيه، فلما رجعوا إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم، وأما الصادقون منهم فأدّوا كما سمعوا.
قالت طائفة منهم : سمعنا الله في آخر كلامه يقول : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم ألاَّ تفعلوا فلا بأس.


الصفحة التالية
Icon