روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن منافقي أهل الكتاب كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى عليه وسلم قالوا لهم : آمنا بالذي آمنتم به، نشهد أنَّ صاحبكم صادق، وأنَّ قوله حقّ، ونجده بِنَعْتِهِ وصفته في كتابنا، ثم إذا خَلاَ بعضهم إلى بعض قال الرؤساء كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، ووهب بن يهودا وغيرهم أتحدّثونهم بما فتح الله عليكم في كتابه من نَعْتِهِ وصفته ليحاجوكم به.
قال القَفَّال رحمه الله تعالى في قوله تعالى :﴿ فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ : مأخوذ من قولهم : فتح الله على فلان في علم كذا أي [ رزقه الله ذلك ] وسهل له طلبه.
قال الكَلْبي : بما قضى الله عليكم من كتابكم أن محمداً حق، وقوله صِدْق، ومنه قبل للقاضي : الفَتَّاح بلغة « اليَمَن ».
وقال الكِسَائي : ما بَيّنه الله عليكم.
وقال الواقدي : بما أنزل الله عليكم نظيره ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض ﴾ [ الأعراف : ٩٦ ] أي : أنزلنا.
وقال أبو عبيدة والأخفش : بما مَنَّ الله عليكم به، وأعطاكم من نصركم على عدوكم.
وقيل : بما فتح الله عليكم أي : أنزل من العذاب ليعيركم به، ويقولون فمن أكرم على الله منكم.
وقال مجاهد والقاسم بن أبي بزّة : هذا قول يهود « قُرَيظة » بعضهم لبعض حين سبهم النبي ﷺ فقال :« يَا إخْوَانَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ وَعَبَدَ الطَّاغُوتِ » فَقَالُوا : من أخبر محمداً بهذا؟ ما خرج هذا إلاَّ منكم.
وقيل : الإعلام والتبيين بمعنى : أنه بيّن لكم صفة محمد ﷺ.
فصل في إعراب الآية
قد تقدّم على نظير قوله :« وإذ لَقُوا » في أول السورة وهذه الجملة الشرطية تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون مستأنفة كاشفة عن أحوال اليهود والمنافقين.
والثاني : أن تكون في محلّ نصب على الحال معطوفة على الجملة الحالية قبلها وهي :« وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ » والتقدير : كيف تطمعون في إيمانهم وحالهم كيت وكيت؟
وقرأ ابن السّميفع :« لاَقوا » وهو بمعنى « لقوا » فَاعَل بمعنى فَعِل نحو :« سافر » وطارقت النعل :
وأصل « خلا » :« خَلَو » قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وتقدم معنى « خلا » و « إلى » في أول السورة.
قوله :﴿ بِمَا فَتَحَ الله ﴾ متعلق ب « التحديث » قبله، و « ما » موصولة بمعنى « الذي » والعائد محذوف، أي : فتحه.
وأجاز أبو البَقَاءِ أن تكون نكرة موصوفة أو مصدرية، أي : شيء فتحه، فالعائد محذوف أيضاً، أو بِفَتْحِ الله عليكم.
وفي جعلها مصدرية إشكال من حيث إنَّ الضمير في قوله بعد ذلك :« لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ » عائد على « ما » و « ما » المصدرية حرف لا يعود عليها ضمير على المشهورن خلافاً للأخفش، وأبي بكر بن السراج، إلاّ أن يُتَكَلّف فيقال : الضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله :« أَتُحَدِّثُونَهُمْ » أو من قوله :« فتح »، أي : ليحاجُّوكم بالتحديث الذي حدّثتموهم، أو بالفتح الذي فتحه الله عليكم.