و « أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ » في محلّ نصب وفيها حينئذ تقديران :
أحدهما : أنها سادّة مسدّ مفرد إن جعلنا « علم » بمعنى « عرف ».
والثاني : أنها سادّة مسدّ مفعولين إن جعلناها متعدية لاثنين ك « ظننت »، وقد تقدم أن هذا مذهب سيبويه والجمهور، وأن الأخفش يدعي أنها سدّت مسدّ الأول، والثاني محذوف. و « ما » يجوز أن تكون بمعنى « الذي »، وعائدها محذوف، اي : ما يسرونه ويعلنونه، وأن تكون مصدرية، أي يعلم سرهم وعلانيتهم. [ والسر ] والعلانية يتقابلان.
وقرأ ابن محيصن « تسرون » و « تعلنون » بالتاء على الخطاب.
فصل في أن المراد بالسؤال هو التخويف والزجر
في الآية قولان :
الأول : وهو قول الأكثرين أن اليهود كانوا يعرفون أن الله يعلم السّر والعلانية، فخوّفهم به.
والثاني : أنهم ما علموا بذلك، فرغبهم بهذا القول في أن يتفكّروا، فيعرفوا أن ربهم يعلم سرهم وعلانيتهم، وأنهم لا يأمنون حلول العِقَابِ بسببِ نِفَاقِهِمْ، وعلى كلا القولين فهذا الكلام زَجْر لهم عن النفاق، وعن وصية بعضهم بعضاً بكتمان دلائل نبوة محمد ﷺ.
والأقرب أن اليهود المخاطبين بذلك كانوا عالمين بذلك؛ لأنه لا يكاد يقال على طريق الزجر : أو لا يعلم كيف وكيت، إلاّ وهو عالم بذلك الشيء، ويكون ذلك زاجراً له عن ذلك الفعل.
فصل في الاستدلال بالآية على أمور
قال القاضي : الآية تدلّ على أمور منها :
أنه تعالى إن كان هو الخالق لأفعال العباد، فكيف يصح أن يزجرهم عن تلك الأقوال والأفعال، ومنها أنها تدلّ على صحّة الحجاج والنظر وأن ذلك قد كان على طريقة الصّحابة والمؤمنين.
ومنها أنها تدلّ على أن الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية يكون أعظم جرماً.