﴿ مُرُدفين ﴾ [ الأنفال : ٩ ] بِضَمِّ الراءِ، إِتْباعاً لِلْمِيمِ.
فهذه أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ في « الحَمْدِ للهِ ».
ومعنى لام الجَرِّ -هنا- الاستحقاقُ أَيْ : الحمدُ مستحقٌّ لله -تعالى- ولها معانٍ أخر نَذْكُرُها وهي :
المُلْكُ : المالُ لِزَيْدٍ. والاستحقاقُ : الجُل لِلْفَرَسِ. والتَّمْليكُ : نحو : وهبتُ لَكَ وَشِبْهُهُ نحو :﴿ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ [ الشورى : ١١ ] لتسكنوا إليها.
والنسب : نحو : لِزَيْدٍ عَمٌّ.
والتعليلُ : نحو :﴿ لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس ﴾ [ النساء : ١٠٥ ]، والتبليغُ : نحو : قُلْتُ لَكَ.
والتبليغُ : نحو قلتُ لك.
وللتعجُّبِ في القَسَمِ خاصَّةً؛ كقوله :[ البسيط ]
٤٤- للهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ | بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ وَالآسُ |
والصيرورةُ : نحو قولِهِ تَعَالَى :﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [ القصص : ٨ ].
والظرفية إِمَّا بِمَعْنَى « فِي » : كقوله تعالى :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ]، أَوْ بِمَعْنَى « عِنْدَ » : كقولِهم :« كَتَبُتُهُ لِخَمْسٍ »، أيْ : عِنْدَ خَمْسٍ، أَوْ بِمَعْنَى « بَعْدَ » : كقوله تعالى :﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ] أيْ : بَعْدَ دُلُوكها.
والانتهاءُ : كقوله تعالى :﴿ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الرعد : ٢ ].
والاستعلاءُ : نحو قوله تعالى :﴿ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ ﴾ [ الإسراء : ١٠٩ ].
وقد تُزَادُ باطّرادِ في معمول الفعلِ مُقدَّماً عليه؛ كقولِه تَعَالى :﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ [ يوسف : ٤٣ ] [ وإذا ] كان العامِلُ فرعاً، نحو قوله تعالى :﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [ هود : ١٠٧ ].
وَبِغَيْرِ اطرادٍ؛ نحو قوله في ذلك البيت :[ الوافر ]
٤٥- فَلَمَّا أَنْ تَوَاقَفْنَا قَليلاً | أَنَخْنَا لِلكَلاَكِلِ فَارتَمَيْنَا |
ومن الناسِ مَنْ قال : تقديرُ الكَلام : قُولُوا : الحمد لله.
قال ابنُ الخَطِيب :-رحمه الله تعالى- : وهذا عندي ضعيفٌ؛ لأنْ الإضمارَ إنما يُصارُ إليه ليصحّ الكلامُ، وهذا الإضمار يُوجِبُ فسادَ الكلامِ، والدليل عليه : أن قوله -تعالى- « الحَمْدُ للهِ » إخبارٌ عن كونِ الحَمْدِ حقَّا [ لله تعالى ] وملكاً له، وهذا كَلاَمٌ تام في نفسه، فلا حاجةَ إلى الإضمار.
وأيضاً فإن قولَه :« الحمد لله » يدلُّ على كونِهِ مُسْتَحقاً للحمدِ بحسب ذاته، وبحسبِ أَفْعَالِه، سواءٌ حَمَدُوه أَوْ لَمْ يَحْمِدُوه.
قال ابنُ الخَطِيب : رحمه الله تعالى- :« الحَمْدُ للهِ ثمانيةُ أَحْرُفٍ، وأبوابُ الجَنَّةِ ثمانية [ أبواب ]، فمن قال :» الحمد لله « بصفاءِ قَلْبِهِ استحقَّ أَبْوابَ الجَنَّةِ الثمانية » والله أعلم.
فَصْلٌ
تمسَّكَ الجَبْرِيَّةُ والقدريَّةُ بقوله تعالى :« الحمدُ للهِ » أما الجبريةُ فقد تمسَّكوا به من وجوه : الأولُ : اَنَّ كُلَّ مَنْ كَان فِعْلهُ اشْرَفَ وأَكْمَل، وكانت النعمةُ الصادِرةُ عنه أَعْلَى وأفضل، كان استحقاقُه للحمدِ أكثرَ، ولا شك أنَّ أَشْرَفَ المخلُوقَاتِ هو الإيمانُ، فلو كان الإيمانُ فِعلاً للعبد، لكان استحقاقُ العبدِ للحمدِ أَوْلَى وأجلَّ مِنِ اسْتِحْقاقِ الله له، ولما لم يكنْ كذلك، علمنا أنَّ الإيمانَ حَصَلَ بخلقِ الله -تعالى- لا بِخَلْقِ العَبْدِ.