وقال بعض الحنفية -رحمهم الله- : تورّع أبو حنيفة وأصحابه -رحمهم الله- عن الوقوع في هذه المسألة؛ لأن الخوض في أن التسمية من القرآن، أو ليست من القرآن أمر عظيم، فالأولى السّكوت عنه.
حُجّة من قال : إن التسمية من الفاتحة :
روى الشافعي عن مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مُلَيْكة عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت :« قرأ رسول الله ﷺ فاتحة الكتاب، فعد بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم آية منها والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ آية، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ آية، إيَّاكِ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ آية، اهْدِنَا السِّراطَ المُسْتَقِيمَ آية، صِرَاطَ الَّذِينّ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ آية »، وهذا نَصّ صريح.
وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن أبي بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله ﷺ :« ألا أُخْبِرُكَ بآية لم تنزل على أَحَدٍ بعد سُلَيْمَانَ بن داود - عليهما السلام- غيري » ؟ فقلت : بلى قال :
« بأي شيء يُفْتَتَحُ القرآن إذا افتتحت الصَّلاة؟ » قلت : بسم الله الرحمن الرحيم قال :« هِيَ هِي » وهذا يدل على أنَّ التسمية من القرآن.
وروى الثَّعْلبي بإسناده عن جعفر بن مُحِمَّدٍ عن أبيه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنّ النبي - عليه الصّلاة والسلام - قال له :« كيف تَقُول إذا قُمْتَ إلى الصَّلاة » ؟ قال : أقول : الحمد لله رب العالمين، قال :« قل : بسم الله الرحمن الرحيم ».
وروى أيضاً بإسناده عن سعيد بن جُبَيْرٍ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تبارك وتعالى :﴿ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم ﴾ [ الحجر : ٨٧ ] قال : فاتحة الكتاب، فقيل للنابغة، أين السَّابعة؟ فقال :« بسم الله الرحمن الرحيم ».
وبإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال : كنت مع النبي ﷺ في المسجد، والنبي يحدث أصحابه، إذ دخل رجل يصلّي، فافتتح الصَّلاة وتعوّذ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين، فسمع النبي ﷺ ذلك، فقال له رسول الله ﷺ :« يا رجل، قَطَعْتَ عَلى نَفْسِكَ الصَّلاة، أما علمت أن بسم الله الرَّحمن الرحيم من الحَمْد؟ من تركها فقد تركها تَرَكَ آيةً منها، ومن ترك أيةً منها فقد قطع عليه صلاته، فإنه لا صَلاَةَ إلا بِهَا ».
وروى بإسنادة عن طَلْحَةَ بن عبيد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :« مَنْ تَرَكَ بسم الله الرَّحْمَن الرَّحيم، فقد تَرَكَ آية من كِتاب الله تَعَالى ».