« سَيّئة » مفعول به، وأصلها :« سَيْوِئَة » ؛ لأنها من ساء يسوءُ فوزنها « فَيْعِلَة » فاجتمع الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فأعلت إعلال « سَيِّد ومَيِّت » كما تقدم.
وراعى لفظ « مَن » فأفرد في قوله :« كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » والمعنى مرة أخرى مجمع في قوله :« فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فيهَا خَالِدُونَ ».
وقرأ نافع وأهل « المدينة » « خَطِيئَاتِه » بجمع السلامة والجمور :« خَطِيْئة » بالإفراد، ووجه القراءتين ينبني على معرفة السّيئة والخطيئة.
وفيهما أقوال :
أحدها : أنهما عبارتان عن الكُفْر بلفظين مُخْتلفين.
الثاني : أنهما عبارتان عن الكُفْر بلفظين مخْتلفين.
الثالث :[ عكس الثاني ].
فوجه قراءة الجماعة على الأول والثالث أن المراد بالخطيئة الكفر، وهو مفرد، وعلى الوجه الثَّاني أن المراد به جنس الكبيرة، ووجه قراءة نافع على الوَجْه الأول والثالث أن المراد بالخَطِيئات أنواع الكُفْر المتجددة في كلّ وقت، وعلى الوجه الثاني أن المراد به الكبائر وهي جماعة.
وقيل المراد بالخطيئة نفس السّيئة المتقدمة، فسماها بهذين الاسمين تقبيحاً لها كأنه قال : وأحاطت به خطيئهُ تلك أي السيئة، ويكون المراد بالسّيئة الكُفْر، أو يراد بهم العُصَاة، ويكون أراد بالخلود المُكث الطويل، ثم بعد ذلك يخرجون.
وقوله :« فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ » إلى آخره تقدم نظيره.
وقرى « خطاياه » تكسيراًن وهذه مخالفة لسواد المصحف؛ فإنه رسم « خطيئتهُ » بلفظ التوحيد، وتقدم القول في تعريف خَطَايا.

فصل في لظفة « بلى »


قال صاحب « الكشاف » : بلى إثبات لما بعد حرف النفي، وهو قوله :« لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ » أي : بلى تمسكم أبداً بدليل قوله :« هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ».
أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي، قال تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] « مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ » ولما كان من الجائز أن يظن أن كلّ سيئة صغرات أو كبرت، فحالها سواء في أنّ فاعلها يخلد في النَّار لا جرم بَيَّنَ تعالى أن الذي يستحقّ به الخلود أن يكون سيئة مُحِيْطة به، ومعلوم أن لفظ الإحاطة حقيقة في إحاطة جسم بجسم آخر كإحاطة السُّور بالبلد والكُوز بالماء، وذلك هاهنا ممتنع، فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة لوجهين :
أحدهما : أن المحيط يستر المحاط به، والكبيرة لكونها محيطة لثواب الطاعات كالسَّاترة لتلك الطاعات، فكانت المُشَابهة حاصلةً من هذه الجهة.
والثانيك أن الكبير إذا أَحْبَطَتْ ثواب الطَّاعات، فكأنها استولت على تلك الطاعات، وأحاطت بها كما يحيط العَسْكر بالإنسان بحيث لا يتمكن من التخلص منه فكأنه تعالى قال : بلى من كَسَبَ كبيرة وأحاطت كبيرته بطاعاته، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
فإن قيل : هذه الآية : وردت في حق اليهود؟
[ فالجواب ] : العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب، هذا وجه استدلال المعتزلة في إثبات الوعيد لأصحاب الكبائر.


الصفحة التالية
Icon