الثالثة : قال يحيى بن معاذ : إلهي إذا كان توحيد ساعة يَهْدم كفر خسمين سنة فتوحيد خمسين سنة كيف لا يهدم معصية ساعة إلهي لما كان الكفر لا ينفع معه شيء من الطاعات كان مقتضى العَدْل أن الإيمان لا يضر معه شيء من المعاصي لعمومات الوعد وهي كثيرة ثم نقول : لما وقع التعارض فلا بد من الترجيح وهو معنا من وجوه :
أحدها : أن عمومات الوعد أكثر، والترجيح بكثرة الأدلة أمر معتبر في الشرع.
وثانيها : قوله تعالى :﴿ إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ﴾ [ هود : ١١٤ ] [ يدلّ على أن الحسنة إنما كانت مذهبة للسيئة لكونها حسنة، فوجب أن تكون كل حسنة مذهبة لكل سيئة ] ترك العمل به في حسنات الكُفَّار، [ فإنها لا تذهب سيئاتهم ] فيبقى معمولاً به في الباقي.
وثالثها : تضعف الحسنة، كما قال تعالى :﴿ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ ﴾ [ البقرة : ٢٦١ ] ثم زاد فقال :« وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » وفي جانب السَّيئة قال :﴿ وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ].
ورابعها : قال في آية الوعد :﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ الله حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً ﴾ [ النساء : ١٢٢ ].
ذكره للتأكيد ولم يقل في شيء من المواضع وعيد الله حقّاً.
وخامسها : أن القرآن مملوء من كونه تعالى غافراً غفوراً رحيماً كريماً عفوّاً رحماناً.
والأخبار في هذا قد بلغت حدّ التواتر، وكل ذلك يوجب رُجْحَان الوعد، وليس في القرآن ما يدل على أنه تعالى بعيد عن الرحمة والكرم والعفو، وكل ذلك يوجب رُجْحَان جانب الوعد.
سادسها : أن الإنسان [ هذا أتى ] بأفضل الخيرات وهو الإيمان ولم يأت بأقبح القبائح وهو الكفر [ بل أتى بالبشر الذي هو في طبقة القبائح ليس في الغاية والسيد إذا أتى عبده من الطاعات، وأتى بمعصية متوسطة، فلو تولى بتلك المعصية على الطاعة لعد لئيماً مؤذياً ].
فصل في الاستدلال بالآية
قد شُرِطَ في هذه الآية شرطان :
أحدهما : اكتساب السّيئة.
والثاني : إحاطة تلك السيئة بالعَبْدِ، وذلك يدل على أنه لا بُدّ من وجود الشرطين ولا يكفي وجود أحدهما، وهذا يدل على أن من عقد اليمين على شرطين في طلاق أو أعتاق أنه لا يحنث بوجود أجدهما.