وقال مكّي :« هذه الميثاق هو الذي أخذه عليهم حين أخرجوا من ظهر آدم كالذَّر » و « بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً » فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن تتعلق الباء ب « إحساناً » على أنه مصدر واقع [ موقع } فعل الأمر، والتقدير وأحسنوا وبالوالدين، والباء ترادف « إلى » في هذا المعنى، تقول : أحسنت به وإليه، بمعنى أن يكون على هذا الوجه ثَمَّ مضافٌ محذوف، وأحسنوا بر الوالدين بمعنى : أحسنوا إليهما برّهما.
قال ابن عطية : يعترض على هذا القول، أن يتقدّم على المصدر معمولُهُ، وهذا الاعتراض لا يتم على مَذْهَب الجمهور، فإن مذهبهم جواز تقديم معمول المَصْدر النَّائب عن فعل الأمر عليه، تقول :« ضرباً زيداً » وإن شئتك « زيداً ضرباً » وسواء عندهم إن جعلنا العمل للفعل المقدر، أم للمصدر النائب عن فعله، فإن التقديم عندهم جائز، وإنما بمتنع تقدم معمول المَصْدر المنحل لحرف مصدري والفعل كما تقدم وإنما يتم على مذهب أبي الحسن، فإنه منع تقديم معمول المصدر النائب عن الفعل، ويخالف الجمهور في ذلك.
الثاني : أنها متعلّقة بمحذوف وذلك المحذوف يجوز أن يقدر فعل أمر مُرَاعاة لقوله :« لاَ تَعْبُدُونَ » فإنه في معنى النهي كما تقدم، كأنه قال : لا تبعدوا إلا الله وأحسنوا بالوالدين، ويجوز أن يقدر خبراً مراعاة لِلَفْظِ « لاَ تَعْبُدُونَ » والتقدير : وتحسنون [ وإن كان معناه الأمر، وبهذين ] الاحتمالين قدره الزمخشري، وينتصب « إحساناً » حينئذ على المصدر المؤكّد لذلك الفعل المحذوف.
وفيه نظر من حيث إن حذف عامل المؤكّد منصوصٌ على عدم جوازه، وفيه بحث ليس هذا موضعه.
الثالث : أن يكون التقدير : واستوصوا بالوالدين، ف « البَاء » متعلّقة [ بهذا الفعل المقدر ] أيضاً، وينتصب « إحساناً » حينئذ على أنه مفعول به.
الرابع : تقديره : وَوَصَّيْنَاهُمْ بالوالدين، فالباء متعلّقة بالمحذوف أيضاً، وينتصب « إحساناً » [ حينئذ ] على أنه مفعول لأجله، أي : لأجل إحساننا إلى الموصى بهم من حيث إنّ الإحسان متسبّب عن وصيتنا بهم، أو الموصى لما يترتب الثواب منّا لهم إذا أحسنوا إليهم.
الخامس : أن تكون الباء وما عملت فيه عطفاً على قوله :« لاَ تَعْبُدُونَ » إذا قيل بأن « أن » المصدرية مقدرة فينسبك منها ومما بعدها مصدر يعطف عليه هذا المجرور، والتقدير : أخذنا ميثاقهم بإفراد الله بالعبادة وبالوالدين، أ ي : وببرّ الوالدين، أو : بإحسان إلى الوالدين، فتتعلّق « الباء » حينئذ ب « الميثاق » لما فيه من مَعْنَى الفعل، فإن الظرف وشبهه تعمل فيه رَوَائح الأفعال، وينتصب « إحساناً » حينئذ على المصدر من ذلك المضاف المحذوف، وهو « البر » لأنه بمعناه، أو الإحسان الذي قدرناه.


الصفحة التالية
Icon