٦٢١ وَإِنْ دَعَوتِ إِلَى جُلَّى وَمَكْرُمَةٍ | يَوْماً سَرَاةَ كِرَامِ النَّاسِ فَادْعِينَا |
٦٢٢ في سَعْي دُنْيَا طَالَمَا قَدْ مَدَّتِ... والوجه الثاني : أن تكون لغير التفضيل، فيكون معنى حُسْنى : حَسَنة ك « كبرى » في معنى كبيرة، أي : وقولوا للناس مَقَالة حَسَنة، كما قال : يوسف أحسن إخوته في معنى حسن إخوته انتهى.
وبهذا يعلم فساد قول النحاس.
وأما من قرأ :« إحساناً » فهو مصدر وقع صفةً لمصدر محذوف، أي : قولاً إحساناً [ وفيه تأويل مشهور ]، ف « أحساناً » مصدر من أحسن الذي همزته للصيرورة، أي : قولاً ذا حُسْن، كما تقول : أعشبت الأرض، أي : صارت ذا عُشْب.
فإن قيل : لم خوطبوا ب « قُولوا » بعد الإخبار؟
فالجواب من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على طريقة اللْتِفَاتِ، كقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم ﴾ [ يونس : ٢٢ ].
الثاني : فيه حذف، أي : قلنا لهم : قولوا.
الثالث : الميثاق لا يكون إلا كلاماً كأنه قيل : قلت : لا تعبدوا وقولوا.
فصل في بيان هل الكفار داخلون في المخاطبة بالحسنى
قال بعضهم : إنما يجب القول الحسن مع المؤمنين، أما مع الكُفّار والفُسَّاق فلا، بدليل أنه يجب لعنهم وذمّهم ومحاربتهم، فكيف يمكن أن يكون القول معهم حسناً، وأيضاً قوله تعالى :﴿ لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ [ النساء : ١٤٨ ]
والقائلون بهذا القول منهم من زعم أن هذا الأمر صار منسوخاً بآية القِتَالِ.
ومنهم من قال : إنه دخله التَّخصيص.
وزعم أبو جعفر محمد بن علي البَاقِر أن هذا العموم باقٍ على ظاهره، ولا حاجة إلى التخصيص، ويدلّ عليه أن موسى وهارون مع عُلوّ منصبهما أُمِرَا بالرِّفْق واللِّين مع فرعون، وكذا محمد صلى لله عليه وسلم أمر بالرفق وترك الغِلْظَة بقوله :﴿ ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾ [ النحل : ١٢٥ ].
وال :﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠٨ ].
وقوله :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ].
وقوله :﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين ﴾ [ الأعراف : ١٩٩ ].
وأما ما تمسكوا به من أنه يجب لعنهم وذمهم.
قلنا : لا نسلّم أنه يجب لعنهم، وإن سلّمنا لكن لا نسلّم أن اللّعن ليس قَوْلاً حسناً.
بيانه : أنّ القول الحسن ليس عبارة عن القول الذي يستهوونه، بل القول الحسن هو الذي يحصل انتفاعهم به، ونحن إذا لعنَّاهم وذَمَمْنَاهم ليرتدعوا به عن الفعل القبيح كان ذلك نافعاً في حقهم، فكان قولاً حسناً، كما أن تغليظ الوالد لولده في القول يكون حسناً ونافعاً من حيث يَرْتَدِعُ به عن الفعل القبيح.
سلمنا أنّ لعنهم ليس قولاً حسناً، ولكن لا نسلّم أن وجوبه ينافي وجوب القول الحسن.
بيانه : أنه لا مُنَافَاةَ بين كون الشخص مستحقًّا للتعظيم بسبب إحسانه إلينا، ومستحقًّا للتحقير بسبب كفره، وإذا كان كذلك، فلم لا يجوز أن يقال بوجوب القول الحَسَنِ معهم، وأما تمسّكهم بقوله تعالى :