وقال المبرِّد :« شرطه صلاحية البدلِ في موضعه ».
الثاني : أنه عطف بيان، قاله ابن عصفور.
وقال :« إنما يعني النحويون بالوصف » إلاَّ « عطف البيان »، [ وفيه نظرٌ ].
الثالث : أنه مرفوع بفعل مَحْذُوف، كأنه قال : امتنع قليل.
الرابع : أن يكون مبتدأ وخبره محذوف، أي إلاَّ قليل منكم لم يتولّوا، كما قالوا « مامررت بأحد إلاّ رجلٌ من بني تميم خيرٌ منه ».
الخامس : أنه توكيد للضمير المرفوع، ذكر هذه الأوجه أبو البقاء.
وقال : سيبويه وأصحابه يسمونه نعتاً ووصفاً يعني التوكيد، وفي هذه الأوجه التي ذكرها ما لا يخفى، ولكنها قد قيلت.
السادس : أنه بدلٌ من الضمير « تولّيتم ».
قال ابن عطية : وجاز ذلك مع أن الكلام لم يتقدم فيه نفي؛ لأنَّ « توليتم » معناه النفي كأنه قال : لم تَفُوا بالميثاق إلا قليل، وهذا الذي ذكره مِنْ جَوَاز البدل منعه النحويون، فلا يجيزون « قام القوم إلا زيد » على البدل.
قالوا : لأن البدل يَحُلّ محلّ المبدل منه فيؤول إلى قولك :« قام إلا زيد »، وهو ممتنع.
وأما قوله : إنه في تأويل النفي، فما من موجب إلاَّ يمكن فيه ذلك، ألا ترى أن قولك :« قام القوم إلا زيد » في حكم قوله :« لم يجلسوا إلاَّ زيد »، فكل موجب إذا أخذت نفي نقيضه أو ضده كان كذلك، ولم تعتبر العرب هذا في كلامها، وإنما أجاز النحويون :
« قام القوم إلا زيد » بالرفع على الصيغة كما تقدم تقديره.
و « منكم » صفة ل « قَلِيلاً » فيه في محل نصب، أو رفع على حسب القراءتين، والظاهر أن القليل مراد بهم الأشخاصُ لوصفه بقوله :« مِنْكُمْ ».
وقال ابن عطية :« ويُحْتَمَل أن تكون القلة في الإيمان، أي : لم يبق حينَ عَصَو وكمفروا آخرهم بمحمد ﷺ إلا إيمان قليل، إذ لا ينفعهم، والأول أقوى » انتهى.
وهذا قول بعيد جدّاً أو ممتنع.
« وأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ » جملة من مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال من فاعل « تَوَلَّيْتُمْ » وفيها قولان :
أحدهما : أنها حال مؤكِّدة؛ لأن التولّي والإعراَ مُتَرَادفان، وقيل مبيِّنة، فإن التولي باليدين والإعراض بالقلب، قاله أبو البقاء.
وقال بعده : وقيل :« تَوَلَّيْتُمْ » يعني آباءهم، و « وأنتم معرضون » يعني أنفسهم، كما قال :﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ [ البقرة : ٤٩ ] أي آباءهم انتهى.
وهذا يؤدّي إلى أن جلمة قوله :« وأنْتُمْ معْرِضُونَ » لا تكون حالاً؛ لأن فاعل التولّي في الحقيقة ليس هو صَاحِبَ الحال والله أعلم.
وكذلك تكون « مبيّنة » إذا اختلف متعلّق التولي والإراض كما قال بعضهم : ثم توليتم عن أخذ ميثاقكم، وأنتم معرضون عن هذا النبي ﷺ.
وقيل : التولّي والإعراض مأخوذان من سلوك الطريق، وذلك أنه إذا سلك طريقاً ورجع عَوْدَه على بَدْئه سمي ذلك تولياً، وإن سلك في عُرْض الطريق سمي إعراضاً.
وجاءت الحال جملة اسمية مصدرة ب « أنتم » ؛ لأنه أكد.
وجيء بخبر المبتدأ اسماً، لأنه أولّ على الثبوت فكأنه قيل : وأنتم عادتكم التولي والإعراض عن الحق.