ومنهم من قال : إنه يجب إثباتها في المُصْحف، ولا يجوز تركها أبداً.
والقول الثاني : أنها من لقرآن، وقد أنزلها الله تعالى، ولكنها آية مستقلة بنفسها، وليست بآية من السورة، وهؤلاء أيضاً فريقان :
منهم من قالك إن الله -تعالى- كان ينزلها في أول كل سورة على حِدَةٍ.
ومنهم من قال : لا، أنزلها مرة واحدة، وأمَرَ بإثباتها في [ أول ] كل سورة.
والذي يدلّ على أن الله -تعاىل- أنزلها، وعلى أنها من القرآن ما روي عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي ﷺ كان يعد « بسم الله الرحمن الرحيم » آية فاصلةً.
وعن إبراهيم بن يزيد قال : قلت لعمرو بن دينا : إنّ الفضل الرقاشي يزعم أن « بسم الله الرحمن الرحيم » ليست من القرآن، فقال : سبحان الله ما أَجْرَأَ هذا الرجل! سمعت سعيد بن جُبَيْرٍ يقول : سمعت ابن عباس -Bهما- يقول : كان النبي -E- إذا أنزل عليه « بسم الله الرحمن الرحيم » على أن تلك السُّورة ختِمَتْ وفُتِحَ غيرها.
وعن عبد الله بن المُبارك أنه قال : من ترك « بسم الله الرحمن الرحيم » فقد ترك مائة وثلاث عشرة آيةً.
فَصْلٌ
قال ابن الخطيب -C- : نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود -Bه- كان ينكر كَوْنَ سورة الفاتحة من القرآن الكريم، وكان ينكر كون المُعَوّذتين من القرآن.
واعلم أن هذا في غاية الصعوبة؛ لأنا إن قلنا : إن النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بِكَوْنِ سورة الفاتحة من القرآن، فحينئذٍ كان ابن مسعود -Bه- عالماً فإنكاره يوجب الكُفْر أو نقصان العقل.
وإن قلنا : النقل المتواتر ما كان حاصلاً في ذلك الزمان فهذا يقتضي أن يقال : إن نقل القرآن ليس بمتواترٍ في الأصل، وذلك يخرج القرآن عن كونه حُجَّةً يقينية.
والأغلب على الظن أن يقال : هذا المذهب عن ابن مسعود نَقْلٌ كاذِبٌ باطل، وبه يحصل الخلاص عن هذه العُقْدَةِ، والله الهادي إلى الصواب، إليه يرجع الأمر كله في الأول والمآب.