وقال القاضي : إنَّ الرسول الثاني لا يجوز أن يكون على شِرْعَةِ الأوّل بحيث لا يؤدي إلا تلك بعينها من غير زيادة ولا نُقْصَان، مع أنّ تلك الشريعة محفوظةٌ يمكن معرفتها بالتَّواتر عن الأول؛ لأن الرَّسُول إذا كان هذا حاله لم يممكن أن يعلم من جنهة إلاَّ منا كان قد علم من قبل، أو يمكن أن يعلم من قبل، فكما لا يجوز أن يبعث الله رسولاً لا شريعة معه أصلاً، فكذا هاهنا، فثبت أنه لا بد وأن يكونوا قد بعثوا بشريعة جديدة إن كانت الأولى محفوظةً، أو محيية لبعض ما اندرس من الشَّريعة الأولى.
والجواب : لم لا يجوز أن يكون المقصود من بعثة هؤلاء الرسل التعبُّد بتلك الشريعة السَّابعة بنوع آخر من الأَلْطَاف لا يعلمه إلا الله؟
فصل في لفظ عيسى
[ قوله ] :« عيسى » : علم أعجمي فلذلك لم ينصرف، وقد تكلم النحويون في وَزْنِهِ، واستقاقه على تقدير كونه عَرَبيَّ الوضع فقال سيبويه : وزنه « فِعْلَى » والياء فيه ملحقة ببنات الأربعة كياء « مِعْزى » بالياء لا الألف، سمّاها ياء لكتابتها بالياء.
وقال الفارسي : ألفه ليست للتأنيث ك « ذِكْرَى »، بدلالة صرفهم له في النكرة.
وقال عثمان بن سعيد الصيرفي : وزنه « فِعْللَ » فالألف عنده أصيلة بمعنى أنها مُنْقلبة عن أصل. ورد عليه ذلك ابن البَاذش بأن الياء والواو لا يكونان أصليين في بنات الأربعة، فمن قال : إن « عيسى » مشتق من « الْعَيْس » : وهو بياض تُخالطه شُقْرة ليس بمصيب، لأن الأعجمي لا يدخله اشتقاق ولا تصريف.
وقل الزمخشري :« وقيل : عيسى بالسُّريانية يشوع ».
قوله :« ابن مريم » عطف بيان له أو بدل، ويجوز أن يكون صفة إلا أن الأول أولى؛ لأن « ابن مريم » جرى مجرى العلم له، وللوصف ب « ابن » أحكام تخصّه، ستأتي إن شاء الله تعالى مبينة، وقد تقدم اشتقاق « ابن » وأصله.
و « مريم » أصله بالسّريانية صفة بمعنى الخَادِمِ، ثم سُمِّيَ به؛ فلذلك لم ينصرف، وفي لغة العرب : هي المرأة التي تُكْثر مخالطة الرجَال ك « الزِّير » من الرجال، وهو الذي يكثر مُخالطتَهُن.
قال رؤبة :[ الرجز ]
٦٤٧ قُلْتُ لِزِيرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ... و « ياء » الزّير عن واو؛ لأنه من « زار يزور » فقلبت للكسرة قبلها ك « الريح »، فصار لفظ « مريم » مشتركاً بين اللِّسَانين، ووزنه عند النحويين « مَفْعَل » لا « فَعْيَل »، قال الزمخشري : لأن « فَعْيلاً »، بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية كما ثبت نحو :« عثير وعِلَيْب » وقد أثبت بعضهم « فَعْيلاً »، وجعل منه نحو :« ضهيد » : اسم مكان و « مَدْين » على القول بأصالة ميمه و « ضهيأ » بالقَصْر ت وهي المرأة التي لا تحيض، أو لا ثَدْيَ لها، مشتقّة من « ضَاهَأَت » أي :« شابهت » ؛ لأنها شابهت الرجال في ذلك، ويجوز مدّها قاله الزَّجَّاج.