وعن عائشة رضي الله عنها :« والله ما أرى رَبَّك إلا يُسَارع في هواك ». وجمعه « أهواء ».
قال تعالى :﴿ بِأَهْوَائِهِم ﴾ [ الأنعام : ١١٩ ] ولا يجمع على « أَهْوِية »، وإن كان قد جاء « نَدَى » و « أنْدِية » ؛ قال الشاعر :[ البسيط ]

٦٥٢ فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ لاَ يُبْصِرُ الكَلْبُ مِن ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا
وأما « هَوَى يَهْوِي » بفتحها في الماضي وكسرها في المضارع فمعناه السُّقوط، و « الهَوِيُّ » بفتح الهاء، ذهاب في انْحِدَار.
و « الهُوِيُّ » : ذهاب في صعود وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.
وأسند الفعل إلى « الأنفس » دون المُخَاطب فلم يقل :« بما لا تَهْوُون » تنبيهاً على أنّ النفس يُسْند إليها الفعل السيّىء غالباً نحو :﴿ إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء ﴾ [ يوسف : ٥٣ ] ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ ﴾ [ يوسف : ١٨ ] و « استكبر » بمعنى :« تكبر ».
قوله :« فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ » « الفاء » عاطفة جملة « كذبتم » على « استكبرتم »، و « فريقاً » مفعول مقدم، قدم لتتفق رؤوس الآي، وكذا :« فَرِيقاً تَقْتُلُونَ »، ولا بُدّ من محذوف، أي : فريقاً منهم، والمعنى أنه نشأ عن اسْتِكْبَارهم مُبَادرة فريق من الرسل بالتكذيب، ومبادرةُ آخرين بالقتل. وقدم التكذيب؛ لأنه أول ما يفعلونه من الشَّر؛ ولأنه مشترك بين المقتول وغيره، فإنَّ المقتولين قد كذبوهم أيضاً، وإنما لما يُصَرِّح به؛ لأنه ذكر أقبح منه في الفِعل. وجيء ب « يقتلون » مضارعاً، إما لكونه مستقبلاً؛ لأنهم كانوا يَرُومُونَ قتل رسول الله ﷺ ولذلك سحروه، وسَمُّوا له الشاة، وقال ﷺ عند موته :« مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي، فَهَذَا أوان انْقِطَاع أَبْهَرِ » ولما فيه من مُنَاسبة رؤوس الآي والفَوَاصل، وإما أن يراد به الحال الماضية؛ لأن الأمر فظيع، فأريد استحضاره في النُّفوس، وتصويره في القلوب.
وأجاز الرَّاغب أنْ يكون « ففريقاً كَذّبتم » معطوفاً على قوله :« وآتيناه »، ويكون « أفكلّما » مع ما بعده فصلاً بينهما على سبيل الإنْكَارِ. والأظهر الأول وإن كان ما قاله محتملاً.

فصل في بيان الذي استحق به بنو إسرائيل نهاية الذم


هذا نهاية الذَّم؛ لأن اليهود من بني إسرائيل كانوا إذا أتاهم رسول بخلاف ما يهوون كذبوه، وإن تهيأ لهم قتله قتلوه، لإرادتهم الرّفعة في الدنيا، وطلب لذاتها، والتَّرؤس على عامتهم، وأخذ أموالهم بغير حَقّ، وكانت الرسل تبطل عليهم ذلك، فيكذبونهم ويوهمون عوامهم كونهم كاذبين، ويحتجون في ذلك بالتحريف وسوء التأويل، وبعضهم كان يستكبر على الأنبياء استكبار إبليس على آدم عليه الصلاة والسَّلام، فلما سمعت اليهود ذكر عيسى عليه الصَّلاة السلام قالوا : يا محمد لا مثل عيسى فعلت كما تزعم ولا كما تقص علينا من الأنبياء فعلت فائننا بما أتى به عيسى عليه الصلاة والسَّلام إن كنت صادقاً، فقال الله تعالى : أفكلّما جَاءَكم يا معشر اليهود رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم، وتعظّمتم عن الإيمان به، فطائفة كذبتم مثل عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وطائفة تقتلون أي : قتلتم مثل : زكريا ويحيى وشعيب، وسائر من قتلوا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon