[ آل عمران : ٧٢ ].
الرابع : أنه على إسقاط الخافض، والأصل : فبقليل يؤمنون، فلما حذف حرف الجرّ انتصب، ويعزى لأبي عبيدة.
الخامس : أن يكون حالاً من فاعل « يؤمنون » أي : فَجَمْعاً قليلاً يؤمنون، أي : المؤمن فيهم قليلٌ، قال معناه ابن عباس وقتادة والأصم وأبو مسلم.
قال ابن الخطيب :« وهو الأولى؛ لأن نظيره قوله :﴿ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ النساء : ١٥٥ ]، ولأن الجملة الأولى إذا كان المصرح فيها [ ذكر ] الكقوم فيجب أن يتناول الاستثناء بعض هؤلاء القوم ».
وقال المهدوي : ذهب قتادة إلى أن المعنى : فقليل منهم يؤمن، وأنكره النحويون، وقالوا : لو كان كذلك للزم رفع « قليل ».
وأجيب : بأنه لا يلزم الرَّفْع مع القول بالمعنى الذي ذهب إليه قَتَادَةٌ لما تقدم من أنَّ نصبه على الحال وافٍ بهذا المعنى. و « ما » على هذه الأقوال كلها مزيدة للتأكيد.
السادس : أن تكون « ما » نافية، أي فما يؤمنون قليلاً ولا كثيراً، ومثله :﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٠ ] ﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣ ]، كما يقال : قليلاً ما يغفل أي : لا يعقل ألبتة.
قال الكِسَائي :« تقول العرب : مررنا بأرض قليلاً ما تنبت »، يريدون : لا تنبت شيئاً، وهذا قول الوَاقِدِيّ. وهو قوي من جهة المعنى، وإنما يضعف من جهة تقديم ما في حَيّزها عليها قاله أبو البقاء [ وإليه ذهب ابن الأنباري ]، إلا أن تقديم ما في حيّزها عليها لم يُجِزْه البصريون، وأجازه الكوفيون.
قال أبو البقاء :« ولا يجوز أن تكون » ما « مصدرية؛ لأن » قليلاً « يبقى بلا ناصب »، يعني : أنك إذا جعلتها مصدرية كان ما بعدها صلتها، ويكون المصدر مرفوعاً ب « قليلاً » على أنه فاعل به فأين الناصب له؟ وهذا بخلاف قوله تعالى :﴿ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [ الذاريات : ١٧ ] فإن « ما » هاهنا يجوز أن تكون مصدرية؛ لأن « قليلاً » منصوب ب « كان » وقال الزمخشري :« يجوز أن تكون القلّة بمعنى العدم ».
وقال أبو حَيَّان : وما ذهب إليه من أن « قليلاً » يراد به النَّفي فصحيح، لكن في غير هذا التركيب، أعني قوله تعالى :« فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ » لأن « قليلاً » انتصب بالفعل المثبت، فصار نظير :« قمت قليلاً » أي : قمت قياماً قليلاً، و لا يَذْهب ذاهب إلى أنك إذا أتيت بفعل مثبت، وجعلت « قليلاً » منصوباً نعتاً لمصدر ذلك الفِعْل يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة، أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأساً وعدم وقوعه بالكلية، وإنما الذي نقل النحويون : أنه قد يراد بالقلّة النفي المحض في قولهم :« أقل رجل يقول ذلك وقلّما يقوم زيد »، وإذا تقرر هذا فحمل القلّة على النفي المحض هنا ليس بصحيح « انتهى.
وأجيب [ بأن ما ] قاله الزمخشري من أن معنى التقليل هنا النَّفي قد قال به الوَاقِدِيّ قبله، كما تقدم فإنه قال :» أي : لا قليلاً ولا كثيراً «، كما تقول : قلّما يفعل كذا، أي : ما يفعله أصلاً.