وقدره أبو البقاء مجروراً فإنه قال بعد تجوزه في « من » أن تكون موصوفة أو موصولة « ومفعول يشاء محذوف، أي : يشاء نزوله عليه، ويجوز أن يكونك يشاء يختار ويَصْطفي » انتهى.
وقد عرفت أن العائد المجرور لا يحذف إلاَّ بشروط، وليست موجودة هنان فلا حاجة إلى هذا التقدير.
قوله :« مِنْ عِبَادِهِ » فيه قولان.
أحدهما : أنه حال من الضَّمير المحذوف الذي هو عائد على الموصوف أو الموصول، والإضافة تقتضي التشريف.
والثاني : أن يكون صفةً ل « من » بعد صفة على القول بكونها نكرة، قاله أبو البقاء وهو ضعيف؛ لأن البداية بالجار والمجرور على الجملة في باب النعت عند اجتماعهما أولى لكونه أقرب إلى المفرد فهو في محلّ نصب على الأول وجرّ على الثاني، وفي كلا القولين متعلّق بمحذوف وجوباً لما تقرر.
قوله :« فَبَاءُوا بِغَضَبٍ » الباء للحال، أي : رجعوا ملتبسين بغضب، أي مغضوباً عليهم، وقد تقدم ذلك.
قوله :« عَلَى غَضَبٍ » في محلّ جر؛ لأنه صفة لقوله :« بِغَضَبٍ » أي : كائن على غضب أي بغضب مترادف.
فصل في تفسير الغضب
في تفسير الغَضَبِ وجوه :
أحدها : لا بد من إثبات سببين للغضبين :
أحدهما : تكذيبهم عيسى ﷺ وما أنزل عليه، والآخر تكذيبهم بمحمد ﷺ قاله الحسن والشَّعبي وعكرمة وأبو العالية وقتادة.
وقال ابن عباس ومجاهد : الغضب الأول تضييعهم التَّوراة وتبديلهم.
والثاني : كفرهم بمحمد ﷺ.
وقال عطاء، وأبو عبيد : ليس المراد إثبات الغضبين فقط، بل المراد إثبات أنواع من الغضب مترادفة لأجل أمور مترادفة صدرت عنهم نحو قولهم :﴿ عُزَيْرٌ ابن الله ﴾ [ التوبة : ٣٠ ] ﴿ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ ﴾ [ المائدة : ٦٤ ] ﴿ إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ﴾ [ آل عمران : ١٨١ ] وغير ذلك من أنواع كفرهم.
وقال أبو مسلم : المراد به تأكيد الغضب وتكثيره لأجل الكفر، وإن كان واحداً إلا أنه عظيم.
وقال السدي : الغَضَبُ الأول بعبادتهم العِجْل والثاني بكتمانهم صفة محمد وجَحْدهم نبوّته.
قولهك « مهين » صفة ل « عذاب ». واصله :« مُهْوِن » ؛ لأنه من الهوان، وهو اسم فاعل من أهان يُهِين إهانة مثل : أقام يقيم إقامة، فنقلت كسرة « الواو » على الساكن قبلها، فسكنت « الواو » بعد كسرة، فقلبت ياء.
والإهانةك الإِذْلالَ والخِزْي. وقال « وَلِلْكَافِرِيْنَ » ولم يقل :« ولهم » تنبيهاً على العلّة المقتضية للعذاب المُهين، فيدخل فيها أولئك الكفّار وغيرهم.