وهذا ينبغي أن يُخَصّ بالضرورة، كما نص عليه بعضهم، والزمخشري يجيز ذلك، ويخرج عليه بعض أي القرآن، كما قد تحمل الخبرية على الاستفهامية في الحَذْف في قولهم : اصنع بم شئت وهذا لمجرد التشبيه اللفظي.
وإذا وُقِفَ على « ما » الاستفهامية المجرورة، فإن كانت مجرورة باسم وَجَبَ لَحاقُ هاء السَّكْت نحو مجيء « مه »، وإن كانت مجرورة بحرف فالاختيار اللحاق، والفرق أن الحرف يمتزج بما يدخل عليه فتقوى به الاستفهامية، بخلاف الاسم المضاف إليها، فإنه في نيّة الانفصال، وهذا الوَقْف إنما يجوز ابتداء، أو بقطع نفس، ولا جَرَمَ أن بعضهم منع الوَقْف على هذا النحو قال :« إنه إن وقف بغير هاء كان خطأ؛ لنقصان الحرف، وإن وقف بها خالف السَّواد ».
لكن البزي قد وقف بالهاء، ومثل ذلك لا يُعد مخالفة للسَّواد، ألا ترى إلى إثباتهم بعضَ ياءات الزوائد.
والجار متعلق بقوله :« تقتلون »، ولكنه قُدِّم عليه وجوباً، لأن مجروره له صدر الكلام، والفاء وما بعدها من « تقتلون » في محلّ جزم، وتقتلون وإن كان بصيغة المضارع، فهو في معنى الماضي [ لفهم المعنى ]، وأيضاً فمعه قوله « مِنْ قَبْل » [ وأيضاً فإن الأنبياء عليهم السلام إنما كانوا في ذلك الزمان، وأيضاً فالحاضرون لم يفعلوا ذلك ولا يتأتى لهم قتل الماضيين ]، وجاز إسناد القتل إليهم وإن لم يَتَعَاطَوه؛ لأنهم لما كانوا راضين بفعل أَسْلاَفهم جعلوا كأنهم فعلوا هم أنفسهم.
فإن قيل : كيف جاز قوله :« فَلِمَ تَقْتُلُونَ » من قبل، ولا يجوز أن يقال : أنا أضربك أمس؟
فالجواب من وَجْهَيْن :
الأول : أن ذلك جائز فيما كان بمنزلة الصّفة اللازمة كقولك لمن تعرفه بما سلف من قبح فعله : ويحك لم تكذب؟ كأنك قلت : لم يكن هذا من شأنك.
قال الله تعالى :﴿ واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ] ولم يقل : ماتلت الشياطين؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة.
والثاني : كأنه قال : لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إن كنتم مؤمنين بالتوراة؟
قال بعضهم : جاء « تقتلون » بلفظ الاستقبال، وهو بمعنى المُضِيّ لما ارتفع الإشكال بقوله :« من قبل » وإذا لم يشكل فجائز أن يأتي الماضي بمعنى المستقبل وبالعكس.
قال الحطيئة :[ الكامل ]

٦٦٦ شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ يَوْمَ يَلْقَى رَبَّهُ أَنَّ الْوَلِيدَ أَحَقُّ بِالْعُذْرِ
شهد بمعنى يشهد.
قوله :« إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ».
في :« إنْ » قولان :
أحدهما : أنها شرطية، وجوابه محذوف تقديره : إن كنتم مؤمنين فلم فعلتم ذلك؟
ويكون الشرط وجوابه قد ذكر مرتين فَحُذِفَ الشَّرْط من الجملة الأولى، وبقي جوابه وهو : فلم تقتلون، وحذف الجواب من الثَّانية، وبقي شرطه، فقد حذف من كلّ واحدة ما أثبت في الأخرى.
قال ابن عطية رحمه الله : جوابها متقدم، وهوقوله « فلم » وهذا إنما يتأتى على قول الكُوفيين، وإبي زيد.
والثاني : أن « إن » نافية بمعنى « ما » أي : ما كنتم مؤمنين لمُنَافَاةِ ما صدر منكم الإيمان.


الصفحة التالية
Icon