الثاني : أن الخبر « لكم » فيتعلّق بمحذوف وينصب خالصة حينئذ على الحال، والعامل فيها إما « كان »، أو الاستقرار في « لكم »، و « عند » منصوب بالاستقرار أيضاً.
الثالث : أن الخبر هو الظَّرف، و « خالصة » حال أيضاً، والعامل فيها إما « كان » أو الاستقرار، وكذلك « لكم »، وقد منع من هذا الوجه قَوْمٌ فقالوا : لا يجوز أن يكون الظرف خبراً؛ لأن هذا الكلام لا يستقل.
وجوز ذلك المهدوي، وابن عطية، وابو البقاء، واستشعر أبو البقاء هذا الإشكال، وأجاب عنه بأن قال : وسوغ أن يكون « عند » خبر « كان لكم » يعني لفظ « لكم » سوغ وقوع « عند » خبراً إذ كان فيه تخصيص وَتَبْيِينٌ، ونظيره قوله :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ [ الإخلاص : ٤ ]، لولا « له » لم يصحّ أن يكون « كفواً » خبراً.
و « مِنْ دُونِ النَّاسِ » في محلّ نصب ب « خالصة » ؛ لأنك تقول : خَلُصَ كذا من كذا، والمراد به سوى لا معنى المكان، كما يقول القائل لمن وهب منه ملكاً : هذا لك دون النّاس.
وقرأ الجمهور :« فتَمَنَّوُا المَوْتَ » بضم الواون ويروى عن أبي عمرو فتحها تخفيفاً واختلاس الضمة، وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها على التقاء السَّاكنين تشبيهاً بواو ﴿ لَوِ استطعنا ﴾ [ التوبة : ٤٢ ] المراد بها عندية المنزلة.
قال ابن الخطيب :« ولا بعد أيضاً في حمله على [ المكان ] فلعل اليهود كانوا مشبّهة، فاعقدوا العِنْدِيَة المكانية ».
وقوله تعالى :« فتمنوا الموت » هذا أمر متعلّق على أمر مفقود، وهو كونهم صادفين، فلا يكون الأمر موجوداًن أو الغرض إظهار كذبهم في دعواهم، وفي هذا التمني قولان :
أحدهما : قول ابن عباس : إنهم أمروا بأن يَدْعُوَ الفريقان بالموت على الفرقة الكاذبة.
والثاني : أن يقولوا : ليتنا نموت وهذا أولى؛ لأنه أقرب إلى موافقة اللفظ.
قال ﷺ :« لَوْ تَمَنَّوا المَوْتَ لَغَصَّ كُلُّ إنْسَانٍ بِرِيقِهِ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرضِ يَهُودِيٌّ إلاَّ مَاتَ » وقال ﷺ :« لَوْ أنَّ اليَهُودَ تَمَنَّوا المَوْتَ لماتُوا ورَأوا مَقَاعِدَهُمْ من النَّارِ وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ [ رَسُولَ اللهِ ﷺ ]، لَرَجَعُوا إلاَ يَجِدُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً ».
قوله تعالى :﴿ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ كقوله :﴿ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [ البقرة : ٩١ ].

فصل في سؤالات واردة


السؤال الأول : لعلّهم كانوا يعلمون أن نعم الآخرة عظيمة لا سبيل إليها إلاَّ بالموت، والذي يتوقف عليه المطلوب يجب أن يكون مطلوباً لكونه وسيلةً إلى ذلك المطلوب، إلاَّ أنه يكون مكروهاً نظراً إلى ذاته، والموت مما لا يحصل إلا بالآلام العظيمة، وما كانوا يطيقونها، فلا جرم ما تمنوا الموت.


الصفحة التالية
Icon