الرابعك أنه ضمير الأمر والشأن وإليه نحا الفارسي في « الحلبيَّات » موافقة للكوفيين، فإنّهم يفسرون ضمير الأمر بغير جملة إذا انتظم من ذلك إسناد مَعْنوي، نحو : ظننته قائماً الزيدان، وما هو بقائم زيد؛ لأنه في قوة : ظننته يقوم الزيدان، وما هو يقوم زيد، والبصريون يأبون تفسيره إلاَّ بجماعة مصرح بجزئيها سالمة من حرف جر، وقد تقدم تحقيق القولين.
الخامس : أنه عماد، نعني به الفصل عن البصريين، نقله ابن عطيّة عن الطَّبري عن طائفة، وهذا يحتاج إلى إيْضَاحن وذلك أن بعض الكوفيين يجيزون تقديم العِمَاِ مع الخبر المقدم، يقولون في زيد هو القائم : هو القائم زيد، وكذلك هنا، فإن الأصل عند هؤلاء أن يكون « بمزحزحه » خبراً مقدماً و « أن يعمر » مبتدأ مؤخراً، و « هو » عماد، والتقدير : وما تعميره وهو بمزحزحه، فلما قدم الخبر قدم معه العماد.
والبصريون لا يجيزون شيئاً من ذلك.
و « من العذاب » متعلّق بقوله :« بمزحزحه » و « من » لابتداء الغاية والزحزحة : التَّنحية، تقول : زحزحته فَزَحْزَح، فيكون قاصراً ومتعدياً فمن مجيئه متعدياً قوله :[ البسيط ]
٦٧٤ يَا قَابِضَ الرُّوحِ مِنْ نَفْسِي إِذَا احْتَضَرَتْ | وَغَافِرَ الذَّنْبِ زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ |
٦٧٥ يَا قَابِضَ الرُّوح مِن جِسْمٍ عَصَى زَمَناً | .............................. |
٦٧٦ خَلِيلَيَّ مَا بَالُ الدُّجَى لاَ يُزَحْزَحُ | وَمَا بَالُ ضَوْءِ الصُّبْحِ لاَ يَتَوَضَّحُ |
﴿ والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ مبتدأ وخبر، و « بما » يتعلّق ببصير.
و « ما » يجوز أن تكون موصولة اسمية أو نكرة موصوفة، والعائد على كلا القولين محذوف أي : يعملونه، ويجوز أن تكون مصدرية أي : بعملهم.
والجمهور « يعملون » بالياء، نسقاً على ما تقدم، والحسن وغيره « تعملون » بالتاء، وللخطاب على الالتفات، وأتى بصيغة المضارع، وإن كان علمه محيطاً بأعمالهم السَّالفة مراعاة لرءوس الآي، وختم الفواصل.
قال ابن الخطيب :« والبصير قد يراد به العليم، وقد يراد به أنه على صفة لو وجدت المبصرات لأبصرها، وكلا الوصفين يصحّان عليه سبحانه إلاَّ أن من قال : إن في الأعمال ما لا يصحّ أن يرى حمل هذا البصر على العلم لا محالة » [ قال العلماء رحمهم الله تعالى : وصف الله تعالى نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيَّات الأمور، والبصير في كلام العرب العالم بالشيء الخبير به.
ومنه قولهم : فلان خبير بالطب، وبصير بالفقه، وبصير بُمَلاَقاةِ الرجال.
وقيل : وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى أنه جاعل الأشياء المبصرة ذوات أبصار أي : مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة ].