وثانيها : قال قتادة وعكرمة والسّديكم كان لعمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه أرض بأعلى « المدينة » وممرها على مِدْرَاس اليهود، وكان إذا أتى على أرضه يأتيهم، وسمع منهم، فقالوا له ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك، فإنهم يمرّون علينا فيؤذوننا وأنت لا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك فقال عمر رضي الله عنهك والله ما آتيكم لحيّكم ولا أسألكم لأني شاكّ في ديني، وإني أدخل علكيم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى لله عليه وسلم وأرى أثاره في كتابكم فقالوا : مَنْ صاحب محمد الذي يأتيه من الملائكة فقال : جبريل فقالوا : ذلك عدونا يُطْلع محمداً على أَسْرَارنا، وهو صاحب كل عذاب وخَسْف شدّة، وإن ميكائيل يأتي بالخِصْبِ السّلامة، فقال لهم عمر رضي الله عنه : تعرفون جبريل، وتنكرون محمداً عليه الصَّلاة السَّلام فقالوا : نعم قال : فأخبروني عن منزلة جبريل وميكائيل من الله تعالى قالوا : جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره وميكائيل عدوّ لجبريل، قال فإن كان كما تقولون فماهما بعدوين، ولأنتم أكفر [ من الحمير، وإني أشهد أنّ من كان عدوّاً لجبريل فهو عدو لميكائيل، ومن كان عدواً لميكائيل فهو عدو لجبريل، ومن كان عدواً لهما فإن الله تعالى عدوّ له، ثم رجع عمر فوجد جبريل عليه السلام قد سبقه بالوَحْي، فقرأ النبي ﷺ هذه الآيات وقال :« لقد وافقك ربك يا عمر »، فقال عمر رضي الله عنه فقد رأيتني بعد ذلك في دين الله تعالى أَصْلَبَ من الحجر ].
وثالثها : قال مقاتل : زعمت اليهود أن جبريل عليه السلام عدّونا، أمر أن يجعل النبوة فينا، فجعلها في غيرنا فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
قال ابن الخطيب : والأقرب أن يكون سبب عداوتهم لا أنه كان ينزل القرآن على محمد ﷺ لأن قوله تعالى :﴿ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله ﴾ [ البقرة : ٩٧ ] مشعر بأن هذا التنزيل [ لا ينبغي أن يكون سبباً للعداوة؛ لأن إنما فعل ذلك بأمر الله، فلا ينبغي أن يكون سبباً للعداوة، وتقرير هذا من وجوه :
أولها : أن الذينزل جبريل من ] القرآن { الذي نزل به فيه ] بشارة المطيعين بالثواب، وإنذار العصاة بالعقاب، والأمر بالمُحَاربة والمقاتلة لم يكن ذلك باختياره، بل بأم رالله تعالى الذي يعترفون أنه لا محيص عن أمره، ولا سبيل إلى مُخَالفته فعداوة مَنْ هذا سبيله توجب عداوة الله تعالى وعداوة الله تعالى كفر، فيلزم أن معاداة مَنْ هذا سبيله كفر.


الصفحة التالية
Icon