وفي العهد وجوه :
أحدها : أن الله تعالى لما أظهر الدَّلائل الدَّالة على نبوة محمد ﷺ وعلى صحّة شرعه كان ذلك كالعهد منه سبحانه وتعالى وقبولهم لتلك الدلائل كالمعاهدة منهم لله سبحانه وتعالى.
وثانيها : قولهم قبل مبعثه : لئن خرج النبي لنؤمنن به، ولنخرجن المشركين من ديارهم [ قال ابن عباس : لما ذكرهم رسول الله ﷺ ما أخذ الله تعالى عليهم، وعهد إليهم في مُحَمّد أن يؤمنوا به قال مالك بن الصيف : والله ما عهد إلينا من محمد عهد فنزلت هذه.
قال القرطبي : ويقال فيه :« ابن الصّيف » ويقال :« ابن الضَّيْف » ].
وثالثها : أنهم كانوا يعاهدون الله كثيراً وينقضونه.
ورابعها : قال عطاء : إن اليهود كَانُوا قد عاهدوا على ألاَّ يعينوا عليه أحداً من الكافرين، فنقضوا ذلك، وأعانوا عليه قريشاً يوم « الخندق » [ ودليله قوله تعالى :﴿ الذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٥٦ ] « ] إنما قال :» نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ « لأن في جملة من عاهد من آمن، أو يجوز أن يؤمن، فلما لم يكن ذلك صفة جميعهم خص الفريق بالذكر، ثم لما كان يجوز أن يظن أن ذلك الفريق هم الأقلّون بين أنهم الأكثر فقال :» بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ « وفيه قولان :
الأول : أن أكثر أولئك الفسّاق لا يصدقون بك أبداً لحسدهم وبغيهم.
[ والثاني : لا يؤمنون ] أي : لا يصدقون بكتابهم، لأنهم في قومهم كالمُنَافقين مع الرسول ﷺ يظهرون لهم الإيمان بكتابهم ورسوله، ثم لا يعلمون بموجبه ومقتضاه.
قوله تعالى :»
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ « فيه قولان :
أحدهما : أنه من باب عَطْف الجمل، وتكون »
بل « لإضراب الانتقال لا الإبطال، وقد [ علم ] أن » بل « لا تسمَّى عاطفة حقيقية إلا في المفردات.
الثاني : أنه يكون من عطف المفردات، ويكون »
أكثرهم « معطوفاً على » فريق «، و » لاَ يُؤْمِنُونَ « جملة في محلّ نصب على الحال من » أكثرهم «.
وقال ابن عطيَّة : من الضمير في »
أكثرهم «، وهذا الذي قاله جائز، لا يقال : إنها حال من المضاف إليه؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه، وذلك جائز.
وفائدة هذا الإضراب ما تقدم ذكره آنفاً.
والنَّبْذُ : الطرح ومنه النَّبِيذ والمَنْبُوذ، وهو حقيقة في الأجْرَام وإسناده إلى العَهْد مَجَاز.
وقال بعضهم : النَّبذ والطَّرْح الإلقاء متقاربة، إلاّ أن النبذ أكثر ما يقال فيما يبس والطَّرح أكثر ما يُقال في المبسوط والجاري مجراه، والإلقاء فيما يعتبر فيه مُلاَقاة بين شيئين؛ ومن مجيء النبذ بمعنى الطَّرْح قوله :[ الكامل ]

٦٨٩ إِنَّ الَّذِينَ أَمَرتَهُمْ أَنْ يَعْدِلُوا نَبَذُوا كِتَابَكَ وَاسْتَحَلُّوا الْمَحْرَما
وقال أبو الأسود :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
٦٩٠ وَخَبَّرَنِي مَنْ كُنْتُ أَرْسَلْتُ أَنَّما أَخَذْتَ كِتَابِي مُعْرضاً بشِمَالِكا
نَظَرْتَ إِلَى عُنْوَانِهِ فَنبَذْتَهُ كَنَبْذِكَ نَعْلاً أَخْلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا