﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب تَمَاماً عَلَى الذي أَحْسَنَ ﴾ [ الأنعام : ١٥٤ ] أي : للذي.
وبمعنى « » من «، قال تعالى :﴿ الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ ﴾ [ المطفيين : ٢ ] أي : من الناس يستوفون.
و » سليمان « علم أعجمي، فلذلك لم ينصرف.
وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى :» وفيه ثلاثة أسباب : العُجْمة والتَّعريف والألف والنون «، وهذا إنما يثبت بعد دخول الاشتقاق فيه، والتصريف حتى تعرف زيادتها، وقد تقدَّم أنهما لا يَدْخُلان في الأسماء الأعجميّة، وكرر قوله :» وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ « بذكره ظاهراً؛ تفخيماً له، وتعظيماً؛ كقوله :[ الخفيف ]
وقد تقدم تحقيق ذلك.٦٩٣ لا أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ ....................
فصل في المراد بقوله تعالى : واتبعوا » المراد بقوله :« وَاتَّبَعُوا » هم اليهود.
فقيل : هم الذين كانوا في زمن محمد ﷺ.
وقيل : هم الذين كانوا في زمن سليمان ﷺ من السَّحَرة؛ لأن أكثر اليهود ينكرون نبوّة سليمان ﷺ ويعدونه من جُمْلة الملوك في الدنيا، وهؤلاء ربما اعتقدوا فيه أنه إنما وجد الملك العظيم بسبب السحر.
وقيل : إنه يتناول الكل وهو أولى.
قال السّدي : لما جاءهم محمد ﷺ عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والفرقان، فنبذوا التوراة، وأخذوا بكتاب « آصف » وسِحْر « هاروت وماروت » فلم يوافق القرآن، فهذا هو قوله تعالى :﴿ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كِتَابَ الله وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ أخبر عنهم بأنهم كتب السّحر.
واختلفوا في المراد من الشياطين.
فقال المتكلمون من المعتزلة : هم شياطينُ الإنس، وهم المتمرِّدون في الضلال؛ كقول جرير :[ البسيط ]
٦٩٤ أَيَّامَ يَدْعُونَنِي الشَّيْطَانُ مِنْ غَزَلِي | وَكُنَّ يَهْوَيْنَنِي إِذْ كُنْتُ شَيْطَانَا |
قال السدي : إن الشياطين كانوا يسترقون السَّمع، ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقونها إلى الكَهَنَةِ، وقد دوّنها في كتب يقرءونها ويعلمونها الناس، وفشا ذلك في زمن سليمان ﷺ وقالوا : إن الجنّ تعلم الغيب، وكانوا يقولون : هذا علم سليمان، وما تم له ملكه إلاَّ بهذا العلم، سخّر الجن والإنس [ والطير ] والريح التي تجري بأمره.
وأما القائلون بأنهم شياطين الإنس فقالواك روي أن سليمان ﷺ كان قد دفن كثيراً من العلوم التي خصّه الله تعالى بها تحت سرير ملكه حرصاً على أنه إن هلك الظَّاهر منها يبقى ذلك المدفون، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السِّحْر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه، ثم بعد موته واطّلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان، وأنه ما وصل إلى ما وصل إليه إلاّ بسبب هذه الأشياء.